ألف عائلة كانت تسيطر علي ثروات البلاد في عهد الشاه
مصير القطط السمان في عهدي رفسنجاني
وخاتمي
يوسف عزيزي
يأخذ
الصراع السياسي بين التيارات المتنافسة في ايران أبعاداً مختلفة يوما بعد يوم،
فعلاوة علي القضايا التقليدية الساخنة دائما منذ 5 سنوات اي منذ وصول خاتمي الي
السلطة كالصراع بين المؤسسات المنتخبة والمؤسسات غير المنتخبة في السلطة وقضية
العلاقات مع الولايات المتحدة الامريكية، هناك قضايا اخري تثار حسب ظروف الصراع.
فقد استخدم المحافظون المهيمنون علي المحاكم القضائية في اوائل عهد خاتمي ملفات
وصفوها بملفات الفساد الاقتصادي اهمها ملف رئيس بلدية طهران غلام حسين كرباسجي ــ
وهو من ابرز مؤيدي خاتمي في الانتخابات الرئاسية عام 1997 ــ وذلك لاتهام
الاصلاحيين بالفساد المالي والاقتصادي، غير ان القضاء برر في النهاية ساحة كرباسجي
وزملائه المعتقلين، الا من بعض الاتهامات الخفيفة، بسبب عدم وجود ادلة ثبوتية تثبت
الاتهامات الموجهة اليهم.
ومنذ أشهر حاول القضاء الايراني مواجهة الفساد المالي المستشري بين شريحة توصف في
ايران بـ(ابناء الاغاوات) وفي العالم العربي بـ(القطط السمان) وذلك لتاثيرها السيئ
علي الاقتصاد الايراني ككل. ويعتقد المحللون ان هناك دورا هاما لقيادات الحرس
الثوري لحث بعض المسؤولين الكبار لمكافحة ما يوصف بالفساد المالي في البلاد.
الألف عائلة في عهد الشاه
وللفساد الاقتصادي والتفاوت الطبقي الحاد جذور في ايران حيث يتذكر الايرانيون الذين
عاصروا عهد الشاه السابق وجود شريحة اجتماعية واقتصادية ممتازة كانت تسيطر علي معظم
ثروات البلاد عرفت آنذاك بالالف عائلة أي (هزار فاميل) كما يقولون بالفارسية. وكانت
(الالف عائلة) تشمل الشاه واخوته واخواته وسائر المنتسبين للبلاط الشاهنشاهي وبعض
الوزراء والرأسماليين الكبار حيث كانوا يشكلون طبقة اقتصادية واجتماعية توصف
بالكمبرادور. وقد كانت تلك الشريحة تابعة كاملا للغرب وتنهل من ايرادات النفط
وتسيطر علي معظم الشركات والمؤسسات الصناعية والزراعية والخدماتية الكبري في
البلاد. وقد تم اعدام بعض عناصر تلك الشريحة بعيد قيام الثورة الاسلامية في ايران
عام 1979 غير ان معظمهم هربوا الي الخارج. اذ وظّف هؤلاء ثرواتهم المنقولة من ايران
في مشاريع اقتصادية وتجارية بالولايات المتحدة الامريكية وامريكا اللاتينية وامارة
دبي ومناطق اخري من العالم.
كانت الثورة الايرانية ثورة ضد فساد العائلة المالكة وبالدرجة الاولي ضد الشاه محمد
رضا بهلوي نفسه بما كان يمثله من دكتاتورية فردية في البلاد.
وقد شاركت جميع الطبقات والشرائح الاجتماعية خاصة في المدن الايرانية في تلك الثورة
الشعبية العارمة غير ان الشريحة التي تمكنت من قيادة الثورة في لحظاتها الاخيرة
والحاسمة هي شريحة رجال الدين التي تنتمي بمعظمها الي طبقة البرجوازية الصغيرة
التقليدية وذلك لنميزها من البرجوازية الصغيرة الحديثة. فالبرجوازية الصغيرة
التقليدية هي الشريحة التحتانية للطبقة الوسطي العريضة في ايران والتي قامت بثورتين
اساسيتين خلال القرن العشرين : ثورة الدستور (1906 ــ 1908) والثورة الاسلامية
1979. وكانت هذه الشريحة الاجتماعية قبل الثورة تتغذي من الخمس والزكاة والمساعدات
المقدمة من قبل تجار السوق (البازار) وخاصة بازار طهران حيث كان البازار ــ تقليديا
ــ ومنذ عهد مصدق في الخمسينيات من المعارضين لسياسات الشاه الاقتصادية والسياسية
والاجتماعية.
ابناء الاغاوات شريحة جديدة
حالت الحرب العراقية ــ الايرانية التي استمرت 8 سنوات (1980 ــ 1988) دون اي فرز
طبقي او ظهور اي تفاوت صارخ بين الطبقات والشرائح الاجتماعية في ايران بسبب المد
الثوري الهائل بعد قيام الثورة الايرانية والسياسات التقشفية للحكومة المنهمكة
آنذاك بقضايا الحرب وتكاليفه الباهظة. صحيح ان فئة خاصة تحولت الي فئة ميسورة بسبب
دورها الوسيط في صفقات السلاح المستورد من السوق السوداء في الخارج اثر الحظر
الامريكي علي بيعه لايران في تلك الفترة، لكن التحول الاساسي في تركيب الطبقات
الاجتماعية حدث بعد نهاية الحرب وفي فترة لاحقة وصفت بفترة اعادة البناء في ايران.
وقد فتحت الفترة التي اعقبت نهاية الحرب العراقية ــ الايرانية والتي تولي خلالها
هاشمي رفسنجاني رئاسة الجمهورية فتحت الباب علي مصراعيه لانبثاق شريحة اجتماعية
واقتصادية جديدة وصفت فيما بعد باسم ابناء الاغاوات اي ــ آغازاده ها ــ بالفارسية.
وقد مهدت حكومة رفسنجاني التكنوقراطية والتي كانت تركز اساسا علي التنمية
الاقتصادية دون الاهتمام بالتنمية السياسية مهدت المناخ الاقتصادي والاجتماعي
لولادة القطط السمان في المجتمع الايراني.
وناهيك عن ابناء الاغاوات تتحدث الصحافة المستقلة حاليا عن فئة اخري توصف بفئة
الاصهار او (دامادها) بالفارسية وهي مكملة لابناء الاغاوات.
والذين ادركوا عهد الشاه يقولون بان (ابناء الاغاوات + الاصهار) حلوا او اخذوا
يحلون مكان (الالف عائلة) السائدة في ذلك العهد. ويستغل هؤلاء عادة نفوذ اوليائهم
او اقربائهم في السلطة للاستفادة من الريع الحكومي والثراء الفاحش علي حساب
الاخرين، والأمر يتم غالبا عن طريق الاطلاع المسبق علي بعض القوانين التجارية
والاقتصادية من بعض الوزارات والمؤسسات المختصة. وتعمل هذه الشريحة في قطاع الخدمات
والتجارة ولاسيما في مجال الاستيراد والتصدير المربح عادة وكذلك يعمل القليل منهم
في قطاع الانتاج.
وتوجد عناصر من جميع التيارات في هذه الشريحة الجديدة لكن الاسماء المعلنة حتي الان
تظهر ان اغلبهم من ابناء الشخصيات المحافظة. فعلاوة علي عائلة الرئيس السابق هاشمي
رفسنجاني ــ بمن فيها ابناؤه واصهاره ــ والتي كانت شبه ميسورة اقتصاديا قبل
الثورة، هناك عوائل اقتنت الاموال في الاعوام الاخيرة وأصبحت ثرية جدا بين ليلة
وضحاها. وتتحدث الصحافة الايرانية عن مهدي خزعلي نجل اية الله خزعلي العضو السابق
في مجلس صيانة الدستور، وتقول بانه يملك منجما في جنوب ايران حصل عليه من وزير سابق
للمناجم والفلزات. كما تتحدث عن نجل اية الله مشكيني إمام مدينة قم ونشاطه التجاري
وعن ملفات عديدة له في المحاكم الايرانية. وكذلك صادق محفوظي نجل اية الله محفوظي
حيث يوجد ملف ضده أيضا.
وقد تحدثت الصحافة الايرانية قبل فترة عن اعتقال نجل المدعي العام السابق للبلاد
اية الله مقتدائي ومن ثم الافراج عنه ونشرت صورة لنجل وزير الاستخبارات السابق
وامام مدينة ري آية الله دري نجف آبادي وهو يهم بالخروج من المحكمة حيث استدعي
اليها بسبب تهم مالية موجهة اليه. كما تتحدث التقارير الصحفية عن استئثار زعماء احد
الاحزاب الدينية المحافظة وصاحبة النفوذ في (بازار) طهران باستيراد السكر من الخارج
الي داخل البلاد. وقد اثارت مؤخرا محاكمة التاجرالكبير شهرام جزايري المتهم بالثراء
غير المشروع ضجة كبيرة في الاوساط السياسية والصحافية الايرانية حيث اعترف شهرام عن
شراكته مع بعض ابناء الاغاوات او دفعه الاموال لبعض الشخصيات السياسية. وقد أكد
شهرام جزايري بانه دفع اموالا كهدايا ومساعدات لرئيس البرلمان مهدي كروبي ونائبه
محمدرضا خاتمي ومركز الحملة الانتخابية للرئيس خاتمي عند ما كان المركز نشطا في
الانتخابات الرئاسية في الصيف الماضي وكذلك شخصيات أخري من كلا التيارين المحافظ
والاصلاحي. وقد حذر مرشد الثورة الايرانية اية الله علي خامنئي مرارا من التداعيات
السيئة والاخطار السياسية التي يمكن ان تواجهها البلاد اثر استشراء الفساد
الاقتصادي وكلف رؤساء السلطات الثلاث بمهمة مكافحة هذا الفساد. لكن يبدو ان
البيروقراطية الادارية والمحسوبية تحول دون اي عمل جدي في هذا المجال.
جريدة (الزمان) العدد 2612 التاريخ 1-6-2002