.

 

Print screen button

 

الرئيسية

 الاخبار

.


أبو مطر
قصرة قصيرة
بقلم /
عادل العابر

6 / 10 / 2007
المصدر: شبكة الأحواز - حوز - وكالة الانباء الأحوازية

لم تكن بيوتنا ملتصقة ببعضها كبيوت المدن.
قد تستغرق المسافة من بيت إلى آخر خمس دقائق وربما اكثر.
بيوت وسيعة يوسع الواحد منها الف كيلو متراً مربعاً أو الفين.
ولم يتجاوز عدد بيوتنا العشرة،
والكل يزور جيرانه بل ويطلع على أخبار بيوت القرية كلها، حتى الأخبار التافهة كـ(نعجة بدرية ولدت ذكراً).
وفي شهر رمضان نسهر كل ليلة ونلعب (المحيبس)،
والنساء يحضرن ليشجعن فريقهن المفضل وهو الفريق الذي يلعب فيه أزواجهن او أبناءهن.
وقد نجلس خارج البيوت في الهواء الطلق ونستمع إلى سوالف أبي مطر.
كانت سوالفه جميلة،سوالف تجعلنا نتابعها بشغف أو بخوف، حكايات الغرام والتضحيات وأساطير الغول والنسر والجن!
وقد يقص بعضها في حلقات لا تنتهي إلا بعد ثلاث ليال أو اكثر.
والكل يتابع قصصه، النساء، الرجال، الأطفال، ويحفظونها حتى يصبحوا يقصونها لبعضهم في صباح اليوم الثاني.
وفي رمضاننا آنذاك لم نر ملالي ولا كذباً ولا دجلاً ولم يعرف الناس النواح واللطم على الصدور والظهور بحجة استشهاد الإمام علي عليه السلام، بل وكانوا يستقبلون العيد قبل طلته بعشرة أيام بأهازيج جميلة وفرح لا يوصف.

والطريف أننا لم نكن نملك أي وسيلة إعلامية لا مرئية ولا سمعية، فلا أحد يملك التلفزيون والمذياع سوى اسطوانة سمعنا أنها توجد في قصر الشيخ خزعل ولم نرها طبعاً.
وكان أبو مطر أكبرنا سناً فيسأله أهل القرية عن مسائلهم الشرعية ويفتيهم بما يدري ولا يدري!
وفي الواقع لم تكن أسئلتهم صعبة، فكان معظمها يدور حول كيفية الصلاة وأحكام الصوم.
وهو الذي يعين الأوقات الشرعية لأهل القرية!
يخبرهم عن وقت صلاة الفجر والظهر والعصر ووقت الإفطار وصلاة المغرب والعشاء.
فحين تغرب الشمس، خرج من داره وابتعد عن منازل القرية قليلاً ثم نظر إلى الأفق ولم ندر ماذا كان يرى؟
ثم يعلن دخول الوقت الشرعي! فتفطر الناس.

وذات يوم استيقضنا عند صياح الديكة فجراً فوجدنا الدنيا مغبرة وغيوم سوداء تغطي السماء فحالت بيننا وبين الشمس،
فلم نر شروقها وكأنه الليل.
واستمر الجو المكفهر لساعات حتى جاع بعض اهل القرية وعطش.
ولا ندري كم مضى من النهار وهل حان وقت صلاة الظهر والعصر ام لا؟
فلقد كان أبو مطر يعرف التوقيت من علو الشمس وغروبها.

صلى أهل القرية صلاة الظهر ثم العصر بعد أن مضى وقت طويل لا يعلمون مدته،
وبعد ساعة أو ساعتين سأل بعضهم أبا مطر عن وقت الإفطار!
فتحاشى الرجل عن الجواب وقد غابت عنه وسيلته الوحيدة التي ترشده إلى معرفة الوقت، فدعاهم إلى الصبر.
ولكن كلما مضت لحظات، اشتدت الضغوط على الشيخ العجوز وصار أهل القرية يتوافدون إلى بيته سائلين باستجداء:
ألم يحن وقت الإفطار؟! فلقد متنا من الجوع والعطش!
فاضطر الرجل إلى الخروج من بيته، واتجه نحو الأفق ليرى ما لا نرى من علامات توحي إليه معرفة الأوقات الشرعية!

وبعد دقائق رجع وكانت العيون مثبتة نحو فمه،
فأعلن وقت الإفطار!
وفطر أهل القرية جميعاً ثم اجتمعوا وكعادتهم ليستمعوا إلى قصصه.
وعندما كان الشيخ يروي قصته،
هبت ريح!
وأزاحت الغيوم!
وانكشف الغطاء عن الشمس! فأرسلت أشعتها الحارة نحو المستمعين إلى أساطير أبي مطر!
فنظروا إليه وهو مطأطأ رأسه خجلاً،
ثم ودون أن ينبسوا ببنت شفة قاموا واتجهوا نحو بيوتهم يلوذون فيها من شدة حرارة الشمس.

عادل العابر - الأحواز

 

مواضيع ذات صلة :

تنويه هام
شبكة الأحواز غير مسؤولة اطلاقا عن مقالات ومواد الاخرين ، فقط مسؤولة عن موادها ومواد حركة التحرير الوطني الأحوازي حصرا .

© جميع الحقوق محفوظة لدي شبكة الاحواز للانترنت
Ahwaz-Arabistan Online Network - AAON
www.al-ahwaz.com
© 1998-2007