الاتفاق و الاختلاف، هما اساس الحياة و استمرارها،
لأنه لو کان هناك إتفاق دائم او إختلاف دائم، فإن
معنى ذلك عدم وجود الضد او النقيض، مما يفقد
الحياة واحدا من أهم الاسرار التي يمنحها طعما و
قيمة و لذة و معنى في نفس الوقت.
يقول
الله سبحانه و تعالى في محکم کتابه المبين:{ومن
آياته خلق السموات و الارض و إختلاف ألسنتکم و
ألوانکم إن في ذلك لآيات للعالمين}(الروم ـ 22)،
لو تمعنا مليا في هذه الآية الکريمة، لوجدنا الله
عزّوجل يعتبر الاختلاف في الاشکال و الالوان
والطبائع بين بني البشر آية من آياته، وإهتم
القرآن بالاختلاف الفکري و المحاججة و المحاکاة
بين الناس إهتماما کبيرا و مانحا إياه قيمة و
إعتبارا کواحدة من أهم المسائل الدنيوية الحساسة،
ويکفي اننا لو راجعنا آيات الذکر الحکيم لوجدناه
يحث على التفکير و المحاججة و ليس التسليم من دون
قناعة او إيمان بما هو مطروح، کما يقول أصدق
القائلين: {کذلك يبين الله لکم الآيات لعلکم
تتفکرون}(البقرة ـ من الآية 219)، او{کذلك نفصل
الآيات لقوم يتفکرون}(يونس ـ من الآية 24)، او{قل
هل يستوي الأعمى و البصير أفلا تتفکرون}(الأنعام ـ
من الآية 50)، وکما نرى فهناك دعوة فيها طابع من
التحفيز من أجل التفکير بل ان القرآن يحث على
التفکير و المحاججة حتى عند الايمان بالله سبحانه
و تعالى نفسه، ولهذا فإن المحاججة و الاختلاف بين
البشر هي حالة صحية إيجابية تغني الحياة في مختلف
المجالات و تدفعها للتقدم و مراجعة واقع الحال
مذاهبنا الاسلامية واحزابنا السياسية بصورة عامة و
مجتمعاتنا العربية منها بصورة خاصة، نجد ان منطق
المحاججة و الخلاف و الاتفاق ليس يتطابق لامع
القرآن الکريم و لاحتى مع الدساتير و القوانين
الدنيوية التي تعطي مجالا للحرية في النقاش و
التفکير و الاختيار، وانما هو أقرب مايکون لحالات
التفکير الشمولية ذات الطابع الاستبدادي القائم
على مبدأ(ان لم تکن معي فأنت ضدي بل عدوي)،
والضدية هنا وفق الفهم الشمولي الاستبدادي تعني
التهميش و الإقصاء وقد يصل الى حد التفسيق
والتكفير!، وللأسف البالغ فإن هذا المنطق غير
السليم قرآنيا ودينيا و دنيويا يسود الى حد کبير
ليس بين الاحزاب السياسية على طول و عرض العالمين
الاسلامي و العربي وانما حتى بين المذاهب
الاسلامية، إذ عوضا عن البحث و التقصي عن نقاط
الالتقاء و القواسم المشترکة العظمى بين الاطراف
المتخالفة فکريا(وفي هذا حق للجميع وفق المنطق
القرآني من حيث المبدأ)، وفي الوقت الذي نرى فيه
المجتمعات المتقدمة في العالم تسعى لتوظيف المتفق
عليه في إدارة المختلف عليه، فإن الحالة عندنا
وببالغ الاسف هي على النقيض تماما إذ يتم توظيف
المختلف عليه في إدارة و توجيه المتفق عليه وهنا
الطامة و المصيبة الکبرى. ان الحاجة أکثر من ماسة
للعودة الى النبع القرآني و الى روض الاسلام و
رياحينه لکي نقوم بإستنطاقها و إستخلاص العبر و
المعاني و الدروس المفيدة لحاضرنا و مستقبلنا و
مستقبل أجيالنا الآتية، واننا ندعو ومن أجل أن
نکون کمسلمين و کعرب في مستوى المسؤولية و في
مستوى المرحلة الحساسة التي نمر بها، الى الاخذ
بقاعدة: " توظيف المتفق عليه في إدارة المختلف
عليه" من أجل أن يساهم ذلك في إيجاد حالة من
السلام و الامن و الاستقرار و التفاهم التي تمهد
بالتأکيد لمجتمع صحي يمتلك أسباب و عوامل التقدم و
المضي للأمام في رکب الامم والله سبحانه تعالى من
وراء القصد.
* السيد محمّد عليّ الحسينيّ.
|