يشكل
الإعلام بكل وسائله المختلفة منظومة متكاملة و
متماسكة الأجزاء و الأدوار,في كل مفاصل حياة
الإنسان و جميع المجالات و الإختصاصات السياسية و
الإجتماعية و الثقافية و التقنية و العسكرية و
الثورية. لا يمكن لاي تخصص أو مجال في الحياة
اليومية أن يستغني عن الإعلام و دوره المتناغم و
تأثيره البارز في حياة الإنسان, خاصة في القرن
الواحد و العشرين الذي يشهد ثورة الإتصالات و
المعلومات. تتطور التقنية و تتوسع يوم بعد يوم و
تنتج أدوات الإتصال بتقنية و ظرافة متطورة و
سريعة, حيث أصبح العالم بفضل تلك التقنيات
المتطورة, قرية كونية كل أجزاءها مكشوفة و مرتبطة
ببعضها البعض. و أصبح للإعلام دورا كبيرا في
التأثير المتبادل بين الشعوب و ثقافاتها في
المجتمعات المختلفة و البعيدة جغرافيا و القريبة
في عالم الإعلام و وسائل الإتصال الجماهيرية
المختلفة. و بما إن المعلومة التي تتناقها وسائل
الإعلام تلعب دورا كبيرا في خلق رأي عام ضاغط أو
مساند لهذه الجهة أو تلك, أو لتضليل جهات أو
مؤسسات معنية بإتخاذ القرار في قضية معينة, أصبح
الإعلام و وسائل الإتصال المختلفة من أهم الأدوات
في الصراع و الحروب و الثورات الشعبية و
الجماهيرية و حتى في التجارة و السياحة.
يعتبر الإعلام من أفضل و أقوى الأسلحة و الأدوات
لشعوب الرازحة تحت نير الإحتلال و الإستعمار
الأجنبي, بما له من ميزات و قدرات على نفوس الشعوب
و تصوير الحقائق كما هي, أو تزويرها بالكامل. و
بمعنى آخر الإعلام بوسائله المختلفة يمكن أن يظهر
من الحق باطلا و من الباطل حقا, و يجعل من الكذبة
حقيقة و من الحقيقة كذبة. يهدف الإعلام الملتزم في
إيصال المعلومة الصادقة التي لا يعلمها المتلقي و
الجمهور الواسع و العريض في كل أنحاء العالم الذي
تنهال عليه المعلومات المغلوطة و المزورة بكثافة و
على مدار الساعة بغية التأثير عليه و جعله مصدقا
أو مكذبا لهذه المعلومة و ذلك الخبر و بالتالي
مناصرا أو طرفا في الصراع القائم. يستطيع الإعلام
و بتقنياته الحديثة و التي تتطور بسرعة مذهلة,
يستطيع يجيش الجمهور و يجعله يثور و يتظاهر
بالشوارع و بالتالي يشكل قوة ضاغطة على الأطراف
المختلفة و يجعل من القضية المنسية, قضية حاضرة و
فاعلة بقوة على المسرح السياسي و الشعبي. و كما
يستطيع الإعلام أن يغيب القضايا الفاعلة أو يجعلها
في الهامش بتسليط الأضواء على هذه القضية أو تلك
الأحداث, كما هو حال الكثير من القضايا المنسية, و
أصبحت بين ليلة و ضحاها, قضايا مطروحة بشكل واسع,
بعد ما تناولتها كبرى الفضائيات و في مصدر نشراتها
الإخبارية.
يستطيع الإعلام إذا توظف بالشكل الصحيح أن يغلب
البندقية و الدبابة و حتى الصواريخ و الطائرات
الحربية, حيث هذه الأسلحة تصيب الجسد الإنساني,
إما الإعلام يصيب النفوس و العقول و القلوب. و إذا
أصيبت النفوس و العقول و القلوب, لا يستطيع
الإنسان أن يرفع البندقية ليقاتل أو يدافع عن نفسه
بها, أي يصيبه الشلل و ينهزم معنويا و نفسيا,
حينها تنهار الجيوش مهما كانت جرارة و مدججة بأفتك
الاسلحة القاتلة. سيقاتل بكل شراسة المقاتل, إن
كان في موقع الدفاع أو الهجوم على حد سواء, خاصة
إذا كان خلف المقاتل, إعلام موجه و مسؤول يغذيه
الشجاعة و الصمود و الإيمان و روح التفاني و
الإيثار من خلال بث البرامج التي تلامس روحه و
عقله الباطني و ترفع من معنوياته, من خلال نقل و
بث الأخبار التي تنقل له البشائر و الإنتصارات على
الجبهات المختلفة و بث الأناشيد و الأغاني الوطنية
و الثورية و كل ما يدفعه إلى التفاني و المثابرة و
القتال بإيمان و إخلاص حقيقي.
يلعب الإعلام دورا سلبيا على معنويات العدو إذا
أستخدمت أساليب ذكية بنشر الأخبار التضخيمية أو
التضليلية أو الإشاعات التي هي من أقوى أدوات في
الحرب النفسية و الإعلامية. و من هنا حدثت في
الفترات السابقة و بعضها مازالت حرب من نوع جديد
بين بعض الدول و هي حرب الإشاعات و الإشاعات
المضادة. كما نقل صورة واحدة مؤثرة بشكل ذكي, من
شأنها أن تقلب موازين القوة في المعارك. يمكن ذكر
النموذج الفيتنامي بحربهم التحررية ضد الأمريكان,
و دور الإعلام على نفوس المحاربين الأمريكيين, حيث
إستطاع الفيتنامي أن يهزم المحارب الإمريكي و يهرب
الأخير من القتال مذعورا مصابا بأمراض نفسية, بعد
ما تمكن من هزيمته نفسيا و معنويا, رغم التفوق
الأمريكي في المجالات العسكرية و البشرية و
التقنية على الفيتنانيين. و أنهزمت الولايات
المتحدة الأمريكية من الفيتناميين في أواسط
السبعينات (عام 1975) من القرن الماضي, بعد ما
أستطاع الفيتنامي هزيمة الأميركي نفسيا و معنويا,
في الوقت الذي كانت الولايات المتحدة هي أكبر
أمبراطورية في العالم بعد خروجها منتصرة في الحرب
العالمية الثانية بأقل خسائر مادية و بشرية مقارنة
بالمنتصرين و المهزومين على حد سواء في الحرب
العالمية الثانية.
أنتصر الفيتنامي ليس بتفوق سلاحه على الأميركي, بل
بقوة إيمانه أولاً و إستخدامه الذكي لوسائل
الإعلام و الإتصال, ضد المقاتلين الأميركيين
ثانياً. أنتشر الذعر و الرعب و الخوف بين
المقاتليين الأميريكيين في فيتنام بعد ما بدء
الفيتنامي من تصوير نماذج و أحداث و صور من
معاركهم الشرسة ضد الأميركان و قطع رؤوس بعض
المقاتلين الأميركيين و تصوير هذه العمليات البشعة
و نشرها بين المقاتليين الأميركيين, فأصابهم
الأرهاب و الرعب مما أدى إلى إنهيار و تحطم
معنوياتهم, حينها لم يستطيع الجندي الأميركي من
رفع السلاح و هو مهزوما نفسيا, ففر من المعارك,
بفعل الإعلام الفيتنامي, الذي فعل فعلته العظيمة و
هزم أكبر أمبراطورية عسكرية و إقتصادية و سياسية
حينذاك.
بفعل الإعلام و تأثيره القوي, إستطاعت إيران أن
تكسب قسم من الجمهور العربي, و أسست لها قاعدة
شعبية في أوساط الشعب العربي بما فيه من التيارات
القومية و الإسلامية في الوطن العربي. و هي لا تقل
خطورة و عداء و تجاوزات من أي عدو ثاني للأمة
العربية. فإستطاعت إيران و بإعلامها الواسع و
المخادع التي وجهته نحو الوطن العربي و الإنسان
العربي أن تجعل من نفسها صديقة و مدافعة عن حقوق
العرب و المسلمين. إستغلت إيران موقف العرب و
المسلمين من القضية الفلسطينية, فرفعت شعار الدفاع
عن فلسطين و عن المقاومة من أجل أن تمرر مشاريعها
التوسعية و الإحتلالية في الوطن العربي تحت غطاء
الدين و الدفاع عن المستضعفين. بما إن الشعب
العربي و حسب تقسيم علم الإعلام - من وجهة نظري-
يصنف ضمن الجمهور أو المتلقي الحساس, و تؤثر فيه
الدعاية السياسية, أصبح أرضا خصبة للإعلام
الإيراني الذي يبث على مدار الساعة و بلغات كثيرة
مثل العربية و الإنجليزية و الفرنسية و الإسبانية
و غيرها من اللغات المهمة في العالم, إستطاعت
الدولة الفارسية أن تقلب الموازنة لصالحها عند قسم
لا بأس فيه من الجمهور العربي. فتغيرت نظرة ذلك
القسم من الجمهور العربي تجاه إيران من دولة محتلة
لأراض عربية واسعة و تضطهد شعب تلك الأرض و تتدخل
بالشؤون لعدد من الدول العربية بهدف التغلغل و
التوسع, تغيرت النظرة إلى إنها أي الدولة
الإيرانية دولة حليفة و صديقة للعرب و مدافعة عن
قضيتهم المركزية, فلسطين.
الدليل الأقرب زمينا على الدور البارز و الرئيس
الذي لعبه الإعلام هو ما نشهده حول الثورات
العربية و مساهمته بشكل كبير في إنتصار ثورات
الربيع العربي و إسقاط الأنظمة خاصة في مصر و
ليبيا. خرج قسم كبير من الإعلام العربي في الثورات
العربية من دور التغطية على الأحداث الى دور
الفاعل و المحرض للأحداث من خلال تضخيم الأخبار و
نقل الحقائق و التركيز على بعضها التي من شأنها أن
تغير القناعات. أخذ الإعلام موقفا سياسيا و أصبح
جزءا من الصراع السياسي و المعادلات الإقليمية و
الدولية و يمكن نسيمي هذا النوع من الإعلام,
الإعلام السياسي أو الإعلام المسيس.
أنقسم الإعلام العربي على نفسه بطبيعة الإنقسام في
الساحة السياسية العربية خاصة الإنقسام و الخلاف
بين الأنظمة العربية و مصالحها الذاتية و الخلاف
السياسي و المصلحي العميق بين الشعوب العربية
الثائرة و المؤيدة للثورة و بين الأنظمة العربية
التي ثارت عليها الشعوب في الربيع العربي. و من
هنا نجد بعض الإعلام العربي أصبح ليس فقط ناقلا
للأخبار و الثورات العربية فحسب, بل أخذ على عاتقه
نصرة الشعب الثائر و تحريض الدول و الشعوب على
الأنظمة و أحتضن تلك الثورات. و في المقابل نجد
بعض الإعلام العربي الذي يمثل المصلحة السياسية
الأخرى و يدافع عن الأنظمة الفاشية و يعكسها و
كأنها تطبق أفضل الديمقراطيات و تنكر الواقع و
ثورات الشعوب العربية التي إطاحت بأنظمة
ديكتاتورية و تفسر كل ما يحصل بمؤامرات أجنبية
تستهدف الدولة و الوطن من أجل إحتلاله و نهب
ثرواته.
فصار المشاهد العربي في ظل الإرباك الذي يعيشه
الإعلام العربي يتابع تلك الفضائيات حسب موقفه
السياسي من هذه القناة أو تلك لطالما أصبحت تلك
الفضائيات العربية تمثل مواقف سياسية و مصالح ��ول
و إيدولوجيات دينية أو طائفية, بدل عكس الواقع و
نقله إلى المشاهد و المتلقي العربي كما هو, دون
تلاعب و تزييف و تفسير أصحاب المصالح الذين
يمتلكون تلك الفضائيات العربية. و في هذه الحالة
صار الإعلام من أهم أدوات الحرب و الصراعات
السياسية و تصفية الحسابات بين الأنظمة و الجهات
المالكة لتلك الوسائل الجماهيرية و أضحت سمتها
البارزة تصفية الحسابات على أساس المواقف السياسية
و شغلها الشاغل هو التحريض و التطبيل و التهويل أو
نكر الواقع و تغييب الحقائق و تزييف المعطيات مهما
كانت كبيرة الحجم و الصدى. ما يحصل اليوم في سوريا
و ما حصل قبلها في مصر و ليبيا من مواقف ضد
الثورات التي أتخذتها وسائل الإعلام التابعة لتلك
الأنظمة أو الجهات الحليفة لها من جهة و دور بعض
الفضائيات التي لأصحابها المصلحة في إسقاط تلك
الأنظمة من جهة أخرى يعكس واقع الإعلام العربي و
تبعيته للأنظمة السياسية أو التحالفات الإقليمة أو
الدولية. فهذا يعطينا المثال البارز في عدم
إستقلالية وسائل الإعلام تلك و عدم موضوعيتها من
الأحداث و الثورات. لكن يبقى تأثير الإعلام و دوره
في الصراع و الأحداث و الثورات كالسيف المسلول و
الصورايخ عابرة القارات الذي بإمكانه أن يساهم و
بشكل كبير في تغيير المواقف و الإيدولوجيات و
المصالح و التحالفات. و تبقى وسائل الإتصال
الجماهيرية و التي هي في تطور كبير و سريع من أهم
أدوات إسقاط الأنظمة و الدول و قيام الأخرى و إن
كانت تلك الدول و سيادتها تحت الركام و منسية
لعقود طويلة. فيا ترى من كان يعرف بالتيمور
الشرقية قبل إستقلالها و كم من العرب كانوا يعرفون
القضية الأحوازية في أواسط و أواخر القرن الماضي و
كم أرتفعت تلك النسبة من العرب نظرا لتناول القضية
الأحوازية و إنتفاضاتها في بعض وسائل الإعلام
العربي؟ و سوف كم يزيد عدد الأنصار و المتبنين لها
في العالم العربي إذا تناولت كبرى الفضائيات
العربية و بشكل يومي القضية الأحوازية و سلطت
الضوء على أحداثها و معاناة الشعب العربي الأحوازي
و السياسات العدوانية للدولة الفارسية بحق الشعب
العربي الأحوازي؟
|