الشيخ خزعل يساهم في تأسيس الحزب الائتلافي:
بعد
وصول (حزب الاتحاد والترقي) الى سدة الحكم في الدولة العثمانية (حكم من سنة
1909م الى سنة 1918م) حدثت في عهده ابشع الحوادث، فغالى هذا الحزب في الدعوة
الى القومية الطورانية (القومية التركية) وفرض اللغة التركية لغة رسمية على
كل الشعوب الواقعة تحت الحكم العثماني ومنها الشعب العربي في البلدان
العربية. فجعل اللغة التركية هي لغة المحاكم والمدارس والمعاملات، واضطهد
رجالات العرب المنادين بالقومية العربية والمطالبين بحرية العرب واستقلالهم.
وفي سنة 1909م كرد فعل على ممارسات الاتحاديين الاتراك نهض بعض رجالات العرب
من كل البلدان العربية وأسسوا لهم حزبا يسمى بـ(حزب الائتلافيين) ينادي باللا
مركزية، ويطالب بحفظ حقوق العرب. ففي البصرة تأسس فرع لهذا الحزب الائتلافي
في سنة 1909م اسسه ثلاث شخصيات عربية كبيرة هم الشيخ مبارك بن صباح الصباح
امير الكويت والشيخ خزعل بن جابر بن مرادي الكعبي امير عربستان والسيد طالب
باشا بن محمد سعيد باشا النقيب رجل الدولة وعضو مجلس المبعوثان العثماني
(مجلس النواب العثماني) عن ولاية البصرة، وباشر هؤلاء الثلاثة اتصالاتهم مع
رجالات العرب الآخرين في البلدان العربية ومع شيوخ القبائل وسفراء وقناصل
الدول العظمى واهمها بريطانيا من اجل الخلاص من حكم حزب الاتحاد والترقي
وتحرير العرب.
بريطانيا تعطي الوعود والعهود للشيخ خزعل
ولما
اندلعت الحرب العالمية الاولى في عام 1914م أرسلت بريطانيا قوة عسكرية
للمحافظة على منابع ومصافي النفط في عربستان بالاتفاق مع الشيخ خزعل، وطلبت
منه مساعدة القوات البريطانية لتحرير البصرة من العثمانيين. وذكرت السكرتيرة
الشرقية لدار الانتداب البريطانية في العراق صاحبة المؤلفات والكتابات
الكثيرة المس جيرترود بيل Miss Geretrude Bell في كتابها المسمى (فصول من
تاريخ العراق) في صفحة 20 ان المقيم السياسي البريطاني في الخليج سنة 1914م
اعطى للشيخ خزعل الوعد الآتي: «لقد أمرتني حكومة صاحب الجلالة ان اقدم
لسعادتكم مقابل هذه المساعدة القيمة وعدا بأننا اذا ما نجحنا وسننجح باذن
الله، فاننا لن نعيد البصرة للدولة العثمانية ولن نسلمها لهم ابدا وأؤكد لكم
بصورة شخصية في هذا العهد بأن حكومة صاحب الجلالة مهما طرأ من التبدل على شكل
الحكومة الفارسية سواء كانت ملكية مستبدة او دستورية، مستعدة لأن تمدكم
بالمساعدات اللازمة للحصول على حل يرضيكم ويرضينا معا اذا تجاوزت الحكومة
الفارسية على حدود امارتكم وحقوقكم المعترف بها. فستبذل اقصى جهدها في الدفاع
عنكم تجاه اي اعتداء او تجاوز يأتي اليكم من دولة اجنبية على دائرة اختصاصكم
وحقوقكم المعترف بها. او على سلامة اموالكم الموجودة في ايران، هذه التأكيدات
معطاة لكم ولخلفائكم من الذكور من صلبكم». انتهى.
الشيخ خزعل يرشح
نفسه لعرش العراق
بعد ان تم للقوات البريطانية احتلال العراق بالكامل
خلال الحرب العالمية الاولى (من سنة 1914م الى سنة 1918م) جعلته تحت ادارتها
السياسية والعسكرية المباشرة وعينت رئيسا لهذه الادارة البريطانية هو الحاكم
السياسي العام السير برسي كوكس Sir Percy Cox واخذ العراقيون يعقدون
الاجتماعات وينظمون المظاهرات الحماسية مطالبين بريطانيا بحكومة عربية
اسلامية مستقلة يرأسها ملك متوج، وكانت الرغبة الأكثر رواجا وشيوعا آنذاك عند
اكثر رجالات عموم عرب العراق هو الطلب من احد انجال شريف مكة الحسين (ت:1931)
ابن علي بن محمد بن عبد المعين بن عون، ليعتلي عرش العراق بصفته ملكا دستوريا
مقيدا بمجلس نواب. وكانت انظار رجال العراق تتجه الى ابني الشريف وهما
الاميران فيصل وعبدالله.
ومما جاء في كتاب (تاريخ الوزارات العراقية-الجزء
1-ص37) لمؤلفه السيد عبد الرزاق الحسيني، هذا النص التالي: (ولما وجد الشيخ
خزعل أمير المحمرة العربي ان ميدان الترشيح لعرش العراق قد خلا من الاشبال،
شرع في نثر المال بين اصحابه ودعاته ليجرب حظه، وكلف مزاحم امين الباجه جي ان
يتولى هذه المهمة والانفاق عليها. فلما شعر بان دون ذلك خرط القتاد، وان
الانجليز دبروا امرهم وادلوا دلوهم، اعلن انسحابه من الميدان).
انتهى.
وبرر امير المحمرة الشيخ خزعل بن جابر الكعبي انسحابه من ميدان
العرش العراقي بهذا البيان الذي نشرته جريدة العراق بتاريخ 14 حزيران 1921م،
وهذا نص بيان انسحابه: (انني عندما طرحت مسألة عرش العراق على بساط البحث
ورأيت ان الذين رشحوا انفسهم لذلك العرش هم اناس دوني في المنزلة والكفاءة
والمقدرة وفي جميع المزايا والصفات التي يجب ان يتصف بها ملك او امير، كنت
رشحت نفسي لذلك العرش لأنني رأيت انني احق واجدر من جميع الذين رشحوا انفسهم
له. اما الآن وقد بلغني ترشيح سمو الامير فيصل (يعني فيصل بن شريف مكة الحسين
بن علي) لهذا العرش، فانني اتنازل عن ترشيح نفسي لأني ارى في شخص الامير فيصل
جميع الصفات والمواهب التي تؤهله لأن يتولى ذلك العرش، وانني قابل ترشيح سمو
الامير فيصل بكل ابتهاج وأؤيده كل التأييد وارجو من جميع اصدقائي ان يؤازروني
بكل قواهم).
ضاعت آمال خزعل بـظهور الضابط رضا خان البهلوي
بعد
الحرب العالمية الاولى ظهر في ايران الضابط رضا خان، فقام بانقلاب عسكري تسلم
بعده منصب وزير الدفاع، ثم بعد ذلك ازاح رئيس الوزراء ونصب نفسه مكانه، ثم
نحى الشاه القاجاري (احمد محمد علي) وقضى على حكم الأسرة الملكية القاجارية
واعلن نفسه شاها على ايران باسم الشاه رضا بهلوي واسس الحكم الملكي البهلوي
في ايران اعتبارا من نيسان 1926م. ولما استتبت له امور الحكم زحف بقواته
العسكرية التي يقودها بنفسه نحو عربستان وبدأ باحتلال مدنها وقراها تباعا،
وجرت معارك بين جيش الشاه رضا بهلوي (رضا خان) وجيش الشيخ خزعل المتواضع وكان
النصر حليف جيش الشاه في كل المعارك والمناوشات الدائرة بين الطرفين. وعندما
وجدت بريطانيا اصرار الشاه رضا بهلوي وتصميمه على احتلال عربستان تخلت عن
جميع وعودها وتعهداتها السابقة للشيخ خزعل- ويشير بعض المؤرخين بأصابع
الاتهام الى بريطانيا في كل ما حصل من أمور وملابسات-.
ودخل الشاه رضا
بهلوي بجيشه القوي مدينة (الأهواز) أو ما تسمى عند بعض الناس بـ(ناصرية
العجم) وزاره الشيخ خزعل وقابله واظهر له الندم وطلب العفو منه، فعفا الشاه
رضا بهلوي عن الشيخ خزعل، وسكن قصر الشيخ خزعل واتخذه مقرا لقيادة جيشه ومكث
في الاهواز يومين ثم انتقل الى مدينة (المحمرة) وشكل فيها حكومة عسكرية لحكم
عربستان برئاسة الجنرال فضل الله خان زاهدي واعلنت الاحكام العرفية للسيطرة
على الاقليم. وبعد هذه التطورات الهامة جاء السير بيرسي لورنس الوزير المفوض
لبريطانيا في عربستان الى مقر الشاه رضا بهلوي لتقديم التهنئة والتبريكات له
على الوضع الجديد.
وكان حاكم عربستان الجنرال فضل الله خان زاهدي يعامل
الشيخ خزعل معاملة طيبة ويظهر له الاحترام والتقدير ليكسب ثقته ويطمئنه على
نفسه، وفي احدى الليالي وهي ليلة 20/4/1925م اقام الجنرال زاهدي حفلة ساهرة
في يخت الشيخ خزعل الراسي في مياه شط العرب، وفي هذه الحفلة تم اعتقال الشيخ
خزعل وابنه عبد الحميد وساقهما الجنرال زاهدي الى (الفيلية) القريبة ومنها
الى (المحمرة) ثم الى (الاهواز) وفي نفس الليلة تم تسفيرهما الى (طهران) حيث
سجنا هناك. وبقي الشيخ خزعل سجينا في طهران حتى توفي في السادس والعشرين من
اذار سنة 1936م.
ماذا يقول اولاد الشيخ المخلوع
نشرت جريدة
الجزيرة السعودية في يوم الجمعة الموافق 17/2/1984-العدد 4159 مقابلة اجراها
عثمان العميرمع الشيخ محمد بن الشيخ خزعل وكانت مقابلة طويلة تحت عنوان
(حكاية عربستان كما يرويها ابن حاكمها المخلوع) نقتطف من هذه المقابلة الآتي:
يقول الشيخ محمد: اعترف للتاريخ ان والدي اصيب في سنينه الاخيرة بنوع من
الاستعلاء والشعور بالثقة واصبح يعارض الانجليز في كل مطالبهم وطبعا كان اهم
شيء لدى الانجليز مصالحهم النفطية في عبادان التي كانت اهم مراكز التكرير في
العالم.. وحين عرفوا انه لن يسير معهم بدأوا يخططون للانقلاب عليه وتصفيته..
كما صمموا على تصفية اناس آخرين مثل الاكراد.. وكانت ايران مفككة مجزأة فرأوا
ان مصلحتهم تكمن بالتعامل مع شخص واحد.. وكان هذا الشخص هو رضا خان الذي لم
يكن له تاريخ فهو قد بدأ حياته برتبة عريف ثم اعطوه رتبة ضابط ثم جعلوه وزيرا
وشاهدوا فيه الاستعداد لذلك.. كان ابي ضحية لمتغيرات مهمة في السياسة
البريطانية.. ويستطرد الشيخ محمد قائلا: بعدما القوا القبض على والدي اخذوه
في سيارة الى طهران.. وبقي مسجونا هناك ثم خنقوه.
وسأله مجري الحديث قائلا
له: ان الريحاني قال عن والدك بأنه تزوج 24 زوجة وله 14 ولدا و18 بنتا.. انه
كان مزواجا.
اجاب الشيخ محمد: ان اغلب زوجات والدي من عربستان الا واحدة
هي بنت نظام السلطة الذي كان رئيسا لوزراء ايران.
ھ باحث في التاريخ
والتراث
ahـmhareb@maktoobـcom