ان إحياء مناسبة ومراسم عاشوراء الامام الحسين الحالية تحثنا على الملاحظات المتعددة يمکن من خلالها بلورة رؤية عصرية منفتحة لهذه المناسبة الدينية المتجددة على مر التأريخ و التي تحمل في طياتها مضامين و مبادئ إنسانية رفيعة المستوى، وهنا لا اسعى الى إبداء طروحات اوأفکار خارج الخطوط و الابعاد الاصلية لفاجعة عاشوراء وانما استشفها و إستقبها و استخلصها من متابعة و تفهم دقيقين لما طرحتها تلك الواقعة و کذلك کيفية تلقي تأثيراتها و أصدائها من جانب الناس.
وکما هو الحال دائما، فإن الاخطاء و العثرات و الهنات لاتأتي من أصل الوقائع و الاحداث التأريخية العظيمة وانما يکمن الخلل و بيت الداء اساسا في کيفية تلقي تلك الوقائع و الاحداث وکيفية تفسيرها و تأويلها و نوعية المحامل التي تحمل عليها في نهاية المطاف. ولم تتعرض مناسبة عاشوراء لوحدها لمثل هذا النوع من التعامل، بل أن نظرة للتأريخ الانساني على مر مختلف العصور، تثبت لنا أن الاخطاء و السلبيات کانت تطل برأسها من بين الجموع التي کانت تتلقى الاحداث و الوقائع التأريخية و النمط و السياق و الرؤية التي تفسر من خلالها کل ذلك، و من المفيد هنا التوقف عند ملاحظة مهمة يبديها الدکتور علي شريعتي” المفکر الايراني المعروف الراحل” في کتابه(العودة للذات)، عندما يتصدى لموضوع تلقي الحدث التأريخي بوعي و عقلية و فکر موضوعي، إذ يقول بأنه وعندما کان يلقي محاضرة في باريس في جمع من الادباء و المثقفين و الاکاديميين الفرنسيين عن واقعة عاشوراء، وجد الجميع منشدين و منصتين إليه بصورة غير عادية، و خمن الدکتور شريعتي في مخيلته”بحسب مايقول في کاتبه الآنف الذکر”، بأنه لو کان قد ألقى نفس المحاضرة في إحدى المدن الايرانية لما وجد نفس تلك الدرجة من الاصغاء، و يرجع الدکتور شريعتي السبب في ذلك الى التحريف و التشويه اللذين طالا المناسبة و أخرجتها عن سياقها الاصيل الذي أطلت من خلاله على العالم.
وأنا حاليا أيضا في باريس ومن خلال مناسبات متباينة وطوال الاعوام المنصرمة، دأبت على الترکيز على المسائل و الامور التي يمکن من خلالها تکوين رؤية مشترکة جامعة لمختلف المذاهب الاسلامية بصددها، وقد رکزت أخيرا و بصورة ملفتة للنظر على مناسبة عاشوراء التي ينظر الکثيرون إليها على أنها مناسبة خاصة بالشيعة و ليست لها من ثمة علاقة بالسنة مؤکدا بأنها مناسبة تهم السنة و الشيعة على حد سواء ورافض ربطها و حکرها على الشيعة فقط، و بذلك اسعى اولا لإخراج المناسبة من الحلة الطائفية المحددة التي أقحمت فيها قسرا، واحاول إرجاعها الى الحلة الاصلية التي کانت عليها و التي لم تکن أساسا موجهة لطائفة او جماعة معينة من المسلمين وانما کانت موجهة للامة الاسلامية برمتها، و النقطة المهمة و الحساسة الثانية التي اجاهد للتوصل إليها، هو هدم و إزالة الحاجز”الوهمي” النفسي بين السنة و الشيعة من خلال جمع الفريقين من جديد على رؤية و فهم موحد و أصيل يتماشى مع أصل و اساس المناسبة وليس مع التفاسير و التأويلات المشوهة و المحرفة لها، وانا بذلك اميل للتأکيد على منح طابع أصيل و معاصر منفتح للمناسبة و جعلها نقطة جامعة لصالح الامة ووحددتها ليست ضدها,والله من وراء القصد عليم.
حفيد الإمام الحسين(ع).. محمد علي الحسيني .
باريس / 0033634256183