قال تعالى :
.(فَبِما رَحْمَةٍ مِنَ اللهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَ نْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ)
أخلاق النبيّ محمّد (ص) هي التي خلقت أوّل أمواج التيَّار الإسلامي في المنطقة العربية وفي العالم كلِّه.
وفيظل هذه الثورة المقدسة تحولت الفرقة إلى وحدة، والتحلُّل إلى عفَّة وطهارة، والعطالة إلى كدح وكدٍّ، والانانية إلى محبّة،والتكبُّر إلى تواضع وعطف
وفي ظلِّها أيضاً نشأت مجموعة من الافراد الذين هم نماذج أخلاقية وقدوة لمن سواهم
ولقد كانت أخلاق النبيّ محمّد (ص) من العظمة بحيث شهد الله سبحانه بها فقال:
.(وَاِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ)
وها نحن نتناول هذه الصفة العظيمة لنتعرَّف على بعض جوانبها
محمّد (ص) بين الناس:
مع أنَّ نبيَّنا (ص) كان له مقام نبوة جليل،وكانت له سلطة وقيادة.
فانَّ حياته ومعاشرته كانت عادية تماماً،وبدون مظاهر وأُبَّهة، بحيث انَّ الغريب كان اذا أقبل إلى مجلسه (ص) يضطر أن يسأل أيكم محمّد ؟
لم تغرَّه الدُّنيا ولم تأسره المظاهر والاعتبارات، ولم يقع في حبائل شباكها، بل كان أبداً ينظر اليها بعين الزهد والتقوى .
كانت عبارته (ص) صغيرة اللّفظ قصيرته، لكنَّها مليئة المعنى كبيرته.
لم ير قط مادَّاً رجليه بين أصحابه، يكرم من يدخل عليه وربما بسط له ثوبه، ويؤثره بالوسادة التي تحته ويعزم عليه في الجلوس عليه ان أبى، ويكنِّي أصحابه ويدعوهم بأحبِّ أسمائهم تكرمة لهم، ولا يقطع على أحد حديثه .
ولم يكن حين كلامه لا مبالياً،ولم يكن يستعمل الالفاظ القبيحة المستهجنة.
وكان «يجيب دعوة الحرِّ والعبد ولو على ذراع أو كراع،ويقبل الهدية ولو أنِّها جرعة لبن ويأكلها ولا يأكل الصدقة،وكان لا يثبت بصره في وجه أحد” .
كان اذا دخل منزلاً قعد أدنى المجلس حين يدخل.
لم يكن يرضى أن يقف أحد عنده وقفة الذليل،وكان يحترم الجميع.
ولقد كان (ص) يأكل على الارض، ويجلس جلسة العبد، ويخصف بيده نعله، ويرفع بيده ثوبه، ويركب الحمار العاري ويُردف خلفه .
انّه (ص) لم يغضب الاّ لله وللدين. ولذلك أيضاً كان يفرح ،
عند ركوبه لم يكن يرضى بأن يرافقه أحد راجلاً
في السَّفرات الجماعية ـ أي حين كان يخرج للحجِّ أوفي غزوة مثلاً ـ لم يكن يرضى بأن يكون كلاّ على مرافقيه،بل كان يقوم بنصيبه من العمل .
وقد قال (ص): ولكنِّي أكره أن أتميِّز، فانَّ الله يكره من عبده أن يراه متميِّزاً بين أصحابه، وقام ـ بعد ذلك ـ فجمع الحطب .
كان (ص) وفياً في جميع التزاماته ومعاهداته.
يصل الرَّحِم ولا يدافع عن رحمه بدون مبرر شرعي.
لا يسمح لاحد أن يتكلَّم على أحد، فانّه يحبُّ أن يخرج إلى الناس وهو سليم الصدر .
كان (ص) مثالاً في التأدُّب والحياء.
وكان مثالاً في رحابة الصدر والحلم والتسامح.
يقول أنس بن مالك: كان لرسول الله (ص) شربة يفطر عليها وشربة للسحر، وربما كانت واحدة، وربَّما كانت لبنا ًوربما كانت الشربة خبزاً يماث، فهيّ أتها له (ص) ذات ليلة(فاحتبس) النبيّ (ص)، فظننت أنَّ بعض اصحابه دعاه فشربتها حين احتبس فجاء بعد العشاء بساعة، فسألت بعضمن كان معه هل كان النبيّ (ص) أفطر في مكان أو دعاه أحد؟ فقال: لا، (إلى أن قال) فأصبح صائماً وما سألني عنها ولا ذكرها حتَّى الساعة.
ولقد كان (ص) يحب الصلاة كثيراً، ولكنَّه عندما كانالناس يأتون اليه في حاجة ويجدونه مشتغلاً بالصلاة يخفف صلاته، ثمَّ يستمع إلى حوائج الناس، ثُمَّ لا يدَّخر وسعاً في قضائها.
كان يحترم الجميع، ومقياس الفضيلة عنده الإيمان والعمل.
ولم يكن يأبه بالثروة والجاه والمنصب،كان عطوفاً على الرقيق مهتماً بشؤونهم وحوائجهم .
تسامحه وعفوه:
لم يكن من طبعه محاولة الانتقام ممَّن أساء اليه،وكان يتجاوز عن أخطاء الا´خرين، وكان يواجه أذيتهم له بالعفو والتسامح .
ورغم كلِّ الذي لاقاه من قريش في بدء الدعوة، فانّه عند انتصاره عليهم في فتح مكَّة عفا عنهم.
عفا عن (وحشي) قاتل عمِّه حمزة وكذلك فعل مع أبي سفيان وهند .
ولكن مع شدة عفوه وتسامحه (ص) لم يكن يقبل بأدنى تجاوز لحدود الله،ولم يكن لتأخذه في الله لومة لائم،فعندما أُخبر أنَّ فاطمة المخزومية سرقت لم يتقبل وساطة أسامة بن زيد، وقال: انَّما هلك من قبلكم انَّهم كانوا اذا سرق الشَّريف تركوه، واذا سرق الضعيف فيهم أقاموا عليه الحدَّ، وأيمُ الله لو أنَّ فاطمة بنت محمّد سرقت لقطع محمّد يدها.
نظافته وطهارته:
كان (ص) يحافظ على أن يكون بدنه وثيابه على طهارة دائماً. وكان يتعطَّر بأجود انواع العطور.
ومن حيث مرّ (ص) كانت تفوح رائحة العطر.
وانّه (ص) كان ينظر في المرآة ويرجِّل جمته، ويمشِّط وربما نظر في الماء وسوّي جمته فيه ولقد كان يتجمَّل لاصحابه فضلاً عن تجمُّله لاهله. وقال: انّ الله يحبَّ من عبده اذا خرج إلى اخوته أن يتهيأ لهم ويتجمَّل.
عبادته وزهده:
لقد كان له (ص) ولع شديد بالصلاة، روي عن أبي عبدالله (ع): انّ رسول الله (ص) كان اذا صلى العشاء الا´خرة أمر لوضوئه وسواكه يُوضع عند رأسه مخمراً، فيرقد ما شاء الله ثم يقوم فيستاك ويتوضأ ويصلّي أربع ركعات، ثمَّ يرقد ثم يقوم فيستاك ويتوضأ ويصلِّي، انّه كان يستاك في كلِّ مرَّة قام من نومه.
وكان يطيل من خضوعه وخشوعه ووقوفه بين يدي الله سبحانه حتى تورّمت قدماه المباركتان.
وكان (ص) كثير التأمل شديد الاعتبار بما حوله منالارض والسماء والشمس وغير ذلك، وكان أكثر ما يفكِّر فيه هو عظمة الخالق.
وأمَّا زهده فكان من العظمة بحيث أن مظاهر الدنيا الخلابة لم تفتنه ولم تشدّده اليها
لقد كان محمّد (ص) قدوة في الصفات الاخلاقية الفاضلة
وطبيعي أنّنا لا يمكننا أن نوفّيها حقَّها من البحث في مقالة مختصرة.
كُلَّما يمكننا فعله هو أن نعطي صورة ماعن الصورة الواقعية الاصيلة المشرقة، حتّى يعلم المسلمون الجدد خاصة اليوم في زمان الادعاء والتشويه والانحراف شيئاً عن أفعال وسلوك نبيِّهم العظيم، ويضعون ذلك نصب أعينهم ومثالاً حيالهم، قال تعالى:
.(لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ اُسْوَةٌ حَسَنَةٌ)
فعليه سلام الله، فانّه أول خلق الله وأفضلهم،وسلام الملائكة والصالحين والمقرَّبين، وسلام احترام منّا ومنك أيُّها القارئ الكريم.
العبد لله…محمد علي الحسيني