الجزء الثاني
بحث الدكتور عبدالمجيد اسماعيل
مع اضافات للبحث بتصرف من نصار الشيخ خزعل
نائب الأمين العام لحركة التحرير الوطني الاحوازي
الدولــة المشعشعيــة
بقيام الاسرة المشعشعية العربية (الحويزة) سنة 1436م عاد الحكم العربي إِلَى إقليم عربستان بتولي محمد بن فلاح بن هبة الله الحكم فيه.
ظهر محمد بن فلاح فِي واسط (جنوب العراق) حيث بدأ منذ سنة 1412م واستطاع بعد نجاح دعوته ان يهزم الوالي التركماني لعربستان وان يبسط سيطرته عَلَى هَذَا الإقليم حيث وافق بعدها اسبان ملك دولة الخروف الأسود (قرة قوينلو) فِي بغداد عَلَى استقلال عربستان والبصرة وواسط تحت حكم محمد بن فلاح الَّذِي اتخذ مدينة الحويزة عاصمة لدولته.
وبعد ان توفي محمد بن فلاح سنة 1458م خلفه ابنه محسن الَّذِي بنى لنفسه عاصمة جديدة سماها المحسنية، وبدأ سك النقود المشعشعية فِي عهده، ودعم العلاقات الدبلوماسية مع دولة الخروف الأبيض (آق قوينلو) التركمانية الَّتِي خلفت دولة الخروف الأسود فِي حكم بغداد.. وبعد وفاته خلفه ولداه علي وايوب سنة 1497 ولكنهما قتلا سنة 1506م فخلفهما فِي الحكم شقيقهما فلاح.
ترجع نشأة الدَّولة الإيرانية (الفارسية الحديثة) إِلَى تأسيس الأسرة الصفوية سنة 1501 ميلادية ((حيث لم تكن فارس دولة فِي العصور الوسطى ولم تكن اكثر من تعبير جغرافي)).
انشأ الدَّولة الصفوية إسماعيل بن جنيد بن صفي الدين باعتبارها حركة دينية اصلها مزيج من التصوف والتشيع، واعتمد فِي ذلك عَلَى قبيلة كول خاران التركية.
ولما فرضت الدَّولة الصفوية مذهب التشيع عَلَى الإيرانيين بالقوة قامت حالة من العداء بينها وبين الدَّولة العثمانية وأخذ هَذَا العداء المذهبي شكل النزاع السياسي.
وكانت النتيجة الطبيعية للعداء بين الدولتين العثمانية والصفوية هو محاولة كل منهما احتلال العراق وعربستان. ولذلك نرى الدَّولة الصفوية تهاجم مدينتي دزفول وتستر فِي عهد بدران بن فلاح، وتحتلها لفترة وجيزة ثم تنسحب بعد وفاة الشاه لتعيد الكرة فِي عهد سجاد بن بدران، ولكن الدَّولة المشعشعية لم ترضخ لهذا الاحتلال وأخذت تهاجم هاتين المدينتين باستمرار وتقاوم محاولات الدَّولة الصفوية لمد سيطرتها خارج اسوارهما، ولذلك يقول مؤلف تكملة الأخبار الإيراني (كانت دزفول وتستر فِي حوزة الشاه أما الحويزة وكل عربستان فقد كانت فِي يد العرب الذين لم يتوقفوا عَنْ مهاجمة تلك المدينتين).
وعندما أصبحت الدَّولة المشعشعية ملجأ لأعداء الدَّولة العثمانية، قامت هذه الأخيرة بعد احتلالها لمدينة بغداد سنة 1541م باحتلال البصرة. ولكنها عندما حاولت احتلال عربستان انهزم جيشها أمام الجيش المشعشعي فِي منطقة الشرش، واضطر للانسحاب إِلَى بغداد، وأصبح نفوذ الوالي العثماني عَلَى أثر هذه الهزيمة قاصرا عَلَى مدينة البصرة والنواحي المحيطة بها.
وخوفا من ان تؤدي هزيمة الجيش العثماني فِي الشرش إِلَى تشجيع الدَّولة المشعشعية عَلَى مهاجمة الدَّولة الصفوية فِي الوقت الَّذِي كانت فيه الجيوش العثمانية تتوغل فِي شمال ايران، فقد طلب الشاه الصفوي من امام الشيعة الاكبر نور الله التدخل لمنع الهجوم المشعشعي المتوقع. فكتب نور الله رسالة إِلَى سجاد خاطبه فيها باسم (ملك حويزة وكل عربستان) ورجاه إلا يحارب الدَّولة الصفوية وأن يساعدها لأن الدين يستوجب ذلك.
وكان لرسالة نور الله الأثر الملحوظ عَلَى سلوك الدَّولة المشعشعية، وقد توقفت عَلَى أثرها الحركات العسكرية المشعشعية ضد القوات الإيرانية فِي مدن عربستان الشمالية تستر ودزفول ورامز.
وتوفي سجاد سنة 1583م وتولى العرش بعده ابنه زنبور الَّذِي أعلنه شقيقه فلاح الثورة عليه سنة 1585م واستقل بحكم مدينة الحويزة، وبالرغم من أ، زنبور استطاع قتل شقيقه واستعادة سيطرته عَلَى تلك المدينة سنة 1588م، إلا أنه لم يتمتع بالحكم مدة طويلة، فقد انتهز مبارك بن مطلب بن بدران فرصة الصراع بين الأخوة ليستولي لنفسه عَلَى عرش الدَّولة المشعشعية بعد قتل زنبور سنة 1588.
وتعتبر فترة حكم مبارك بن مطلب العصر الذهبي للدولة المشعشعية حيث استطاع فرض سيطرته عَلَى كافة إقليم عربستان وطرد الجيش الايراني من مدن عربستان الشمالية، وعندما مر الرحالة البرتغالي بيدرو تكسييريا فِي شط العرب فِي هذه الفترة رأى الأتراك يبنون قلاعا عديدة عَلَى الشط لحماية أنفسهم من هجمات الدَّولة المشعشعية الَّتِي كانت تطالب بملكية مدينة البصرة، وان هذه الدَّولة ارتبطت بحلف دفاعي مع البرتغاليين أعداء الفرس والاتراك دون أن تخضع لإرادتهم.
ثم خلف ناصر بن مبارك والده فِي حكم الدَّولة المشعشعية سنة 1615م، ولكنه لم يبق فِي الحكم مدة طويلة لأن عمه راشد بن سالم قتله بالسم واستولى عَلَى العرش لنفسه، وعندما قتل هَذَا الأخير سنة 1619م فِي أثناء قيادته لحملة تأديبية عَلَى عشائر آل غزى العربي فِي جنوب العراق خلفه منصور بن مطلب الَّذِي لم يستمر حكمه هو الآخر لفترة طويلة، بعد أن استعان شقيقه عبد الله بالجيش الصفوي ليستولي عَلَى العرش لنفسه، مما اضطر منصور إِلَى الانسحاب بجيشه إِلَى البصرة وساهم مع الجيش العثماني فِي الحاق الهزيمة بالجيش الصفوي سنة 1625، وعلى أثرها استطاع منصور استرداد سيطرته عَلَى دولة عربستان.
ولما حاولت الدَّولة الصفوية احتلال بغداد، طلبت المعونة العسكرية من الدَّولة المشعشعية عَلَى أساس أن الدَّولة العثمانية هي عدوتهما المذهبية. ولكن منصور الَّذِي لم ينس موقف الدَّولة الصفوية منه، رفض تقديم أية مساعدات لها. بل انه أجاب عَلَى الرسالة الَّتِي أرسلها له شاه ايران الَّذِي انذره فيها بضرورة إرسال المساعدات بما يلي: (إذا كَانَ الشاه ملكا فِي ايران فأنا أيضاً ملك فِي عربستان ولا قيمة للشاه عندي).
وكانت نتيجة الحملة الصفوية هزيمتها واضطرارها لقبول الصلح مع الدَّولة العثمانية بمعاهدة مراد الرابع سنة 1639م، واعترفت هاتان الدولتان فِي هذه المعاهدة باستقلال الدَّولة المشعشعية.
لم تنس الدَّولة الصفوية أن السبب الأول فِي هزيمتها يرجع إِلَى امتناع منصور عَنْ تقديم المساعدة العسكرية. ولأنها لم تكن تستطيع التدخل عسكريا فِي عربستان بسبب خوفها من مساندة الدَّولة العثمانية لجيش المشعشعي، فقد قامت بتحريض بركة بن منصور عَلَى خلع والده باعتباره قد كفر بالدين عندما امتنع عَنْ مساعدة الشاه الشيعي فِي حربه ضد الأتراك السنيين. وبالرغم من نجاح بركة فِي مسعاه إلا أن شعب عربستان لم يوافق عَلَى توليه العرش ((إلا بعد أن تعهد بأنه لن يسمح بدخول أي جندي إيراني إِلَى عربستان)). ولذلك لما ظهرت عليه بوادر تدل عَلَى رغبته بالإخلال بهذا التعهد، ثار شعب عربستان وخلعه عَنْ العرش سنة 1650م ونصب مكانه علي بن خلف بن مطلب.
تولى العرش المشعشعي سنة 1678م حيدر بن علي بعد وفاة والده، ولكنه خاف من منافسة شقيقه عبد الله له فِي الحكم، فطلب معونة عسكرية من والي بغداد العثماني عمر باشا سنة 1679م، وبالرغم من ذلك، فقد تولى عبد الله العرش بعد وفاة شقيقه سنة 1686م. ولما توفي هو الاخر بعد ثمانية شهور من توليه العرش خلفه شقيقه فرج الله الَّذِي بدأ حكمه بمهاجمة السفن الإيرانية فِي الخليج العربي دون انقطاع.
اتفق فرج الله والي بغداد العثماني عَلَى أن تقوم الدَّولة المشعشعية باحتلال مدينة البصرة وتخليصها من حكم عشائر المنتفك. وفعلا استطاع الجيش المشعشي احتلال هذه المدينة ولكنه لم يتوقف عند هَذَا الحد بل استمر بالتقدم شمالا فاحتل القرنة وقارب النجف خلافا لذلك الاتفاق. فانتهز هذه الفرصة الشاه الصفوي وحرض علي عبد الله –الذي كَانَ سفيرا للدولة المشعشعية لدى الدَّولة الصفوية– عَلَى تولي عرش الدَّولة المشعشعية وأرسل معه الجيش الصفوي سنة 1700م، الأمر الَّذِي دعا فرج الله إِلَى سحب الجيش المشعشي من جنوب العراق ليواجه الجيش الصفوي ويلحق به الهزيمة.
وبعد وفاة فرج الله سنة 1702م تولى العرش ابنه عبد الله الَّذِي استمر حتى سنة 1719م ثم تنازل عَنْ العرش لابنه محمد.
وانهارت الدَّولة الصفوية سنة 1722م بعد هجوم الافغان عليها. وبالرغم من احتلالهم لإيران واتفاقهم مع الدَّولة العثمانية عَلَى حكمها إلا أنهم لم يستطيعوا احتلال مملكة عربستان.
انتهى حكم الدَّولة المشعشعية سنة 1724م عندما استطاعت الدَّولة الكعبية مد نفوذها عَلَى كافة نواحي عربستان، فاضطر محمد بن عبد الله إِلَى الالالتجاء إِلَى بغداد. وعلى اثر ذلك عقدت الدَّولة العثمانية معاهدة أمير اشرف سنة 1727م مع الدَّولة الأفغانية وتضمنت مادتها السابعة ما يلي: (لقرب دولة الحويزة من البصرة وقيام بعض العشار بأعمال الشقاة وقطع الطريق مع نزاعهم وجدلهم، فقد قررت الدَّولة العثمانية احتلالها وتتعهد الدَّولة الإيرانية – تحت الحكم الافغاني بعدم التدخل عند قيام الدَّولة العثمانية باحتلالها).
تنفيذا لهذه المعاهدة تقدم الجيش العثماني واحتل شمال عربستان وأعاد محمد إِلَى مدينة الحويزة. وبسبب ضعف الأخير من جهة وقوة الدَّولة الكعبية من جهة أخرى، فقد اقتصر نفوذه عَلَى مدينة الحويزة وحدها. حتى انه عندما انتزع مطلب بن محمد الحكم منه خشي هو الآخر نفوذ الدَّولة الكعبية فنقل عاصمته إِلَى تستر فِي اقصى شمال عربستان.
وسقطت الدَّولة المشعشعية تماما عندما ساند مطلب بن محمد الجيش العثماني فِي هجومه عَلَى الفلاحية عاصمة دولة كعب سنة 1762م وأدت هزيمته إِلَى زيادة النفوذ الكعبي وسيطرته عَلَى إقليم عربستان كله.
ولم يخرج الوضع القانوني لدولة عربستان فِي هذه المرحلة التاريخية عَنْ كونها دولة مستقلة. فقد مارست الدَّولة المشعشعية مظاهر سيادتها الكاملة عَلَى إقليم عربستان داخلياً وخارجياً باعتراف الدولتين العثمانية والإيرانية فِي معاهدة 1639م.
وتمثلت مظاهر السيادة الداخلية بالسلطان الأعلى للأمير المشعشي عَلَى كافة أنحاء عربستان. فكان هَذَا الأمير يعين الحكام ليقوموا بإدارة وحكم جهات الاقليم المختلفة باسمه ونيابة عنه، وبالرغم من أن نظام الحكم كَانَ وراثيا إلا أن شعب عربستان كَانَ يشارك فِي اختيار الحاكم الأصلح من بين افراد العائلة الحاكمة.
وكانت للدولة المشعشعية عملتها النقدية الخاصة، وكانت هذه العملة تسك فِي معامل سك النقود العربية فِي مدن عربستان: تستر، ودزفول، والحويزة، بأمر من الملك المشعشعي. ولم يقتصر تداول هذه العملة عَلَى دولة عربستان بل امتد تداولها إِلَى الأقاليم المجاورة، وكانت الضرائب تفرض عَلَى كافة سكان الإقليم من قبل الدَّولة المشعشعية وتجبى باسم الملك المشعشعي.
أما بالنسبة لمظاهر السيادة الخارجية فمن المعلوم أنَّ الأقاليم المختلفة فِي منطقة جنوبي غربي آسيا كانت فِي نزاع مستمر وحروب تكاد تكون دائمة، ولذلك فقد كانت العلاقات الخارجية بين دول المنطقة واهية، بل لا وجود لها فِي بعض الأحيان، وكانت هذه العلاقات فِي أحسن حالاتها تتمثل بإرسال الوفود وتبادل السفارات والمراسلات.. وفي هَذَا المجال مارست الدَّولة المشعشعية مظاهر سيادتها الكاملة بكل حرية، فمنذ أول نشأتها كَانَ لها سفير مقيم فِي بلاط دولة الخروف الأسود وبعدها دولة الخروف الأبيض، كما كَانَ لها سفير مقيم فِي بلاط الدَّولة الصفوية فضلا عَنْ العلاقات والمراسلات مع الدولتين العثمانية والبرتغالية.
الدولــة الكعبيــة مــن سنــة 1724 إِلَى سنــة 1925
قامت الدَّولة الكعبية بعد أن تقدمت عشيرة كعب العربية من موطنها الأصلي (نجد) بشبه الجزيرة العربية لتستقر فترة من الزمن عَلَى السواحل الغربية للخليج العربي، ثم صعدت شمالا حيث سكنت فِي بادئ الأمر فِي القسم الجنوبي من دولة عربستان وبنت مدينة القبان. وشرعت بعد ذلك بتوسيع نفوذها حتى استطاعت توحيد الدولة كلها تحت سيطرتها.. ولم تخضع فِي هَذَا التوسع لسيادة أي من الدولتين العثمانية أو الإيرانية ولم تدفع الضريبة لأي من الدولتين، وكانت تتذبذب فِي علاقاتها كلما رأت تضييقاً من جانب منهما.
وكان أول أمراء هذه الأسرة علي بن ناصر بن محمد الَّذِي تولى الحكم سنة 1690م وخلفه بعد وفاته بالترتيب أشقاؤه عبد الله، فسرحان، فرحمة الله.
ثم تولى الحكم سنة 1722م فرج الله بن عبد الله بن ناصر الَّذِي انتهز فرصة ضعف الدَّولة المشعشعية ليهاجمها سنة 1724م ويجبر أميرها محمد عَلَى الفرار إِلَى بغداد، وضم شمال عربستان عَلَى أثر ذلك إِلَى سلطان الدَّولة الكعبية.
وبعد قيام الدَّولة الكعبية بسنوات عديدة استطاع نادر قلى افشار (يرجع أصله إِلَى الأتراك الأفشار) إخراج الأفغان من إيران.
وبالرغم من نجاحه هَذَا إلا أنه لم يستطع مد نفوذه إِلَى دولة عربستان، وعندما أرسل جيشه بقيادة محمد حسين خان بهدف إخضاع الدَّولة الكعبية، فشل فِي هَذَا المسعى بعد أن ألحق الجيش الكعبي الهزيمة بجيشه فِي القبان سنة 1733م ((وقتل أفراد الجيش جميعاً)).
ولم يسكت نادر شاه عَلَى هذه الهزيمة فتقدم بنفسه عَلَى رأس جيش كثيف، الأمر الَّذِي أجبر الدَّولة الكعبية عَلَى قبول الصلح معه. وترتب بنتيجة ذلك تقلص نفوذها فِي شمال عربستان بعد أن كانت ((مستقلة بحكمه كتلة واحدة قبل مجيئ نادر شاه)).
وكان من نتائج قبول الخضوع للصلح، قتل فرج الله بأمر من مجلس العشيرة سنة 1734م فخلفه طهماز بن خنفر الَّذِي قتل هو الآخر فِي سنة 1735م فخلفه بندر.
تولى عرش الدَّولة الكعبية سنة 1737م سلمان بن طهماز الَّذِي سُمي عهده بالعصر الذهبي، وتميز بتوسع سلطة الدَّولة وامتدادها لتشمل كافة أنحاء دولة عربستان.
وعندما تولى كريم خان زند الحكم فِي إيران بعد مقتل نادر شاه، طالب الدَّولة الكعبية بدفع الضرائب الَّتِي كَانَ الأتراك الافشار يدفعونها لنادر شاه فِي أثناء إقامتهم فِي الدورق حتى أجلاء عنها الكعبيون، ولما رفضت الدَّولة الكعبية دفعها، هاجم كريم خان عربستان سنة 1757م ولكنه اضطر للانسحاب من الدولة بعد هزيمته.
ولم يكن الإيرانيون وحدهم الذين طالبوا الدَّولة الكعبية بالضريبة، فقد طالبت بها أيضاً الدَّولة العثمانية. ولما رفضت الدَّولة الكعبية دفعها، هاجمت الجيوش العثمانية عربستان سنة 1762م بمساعدة الجيش المشعشية وساندتهم شركة الهند الشَّرقيَّة البريطانية، الَّتِي أرسلت سفينتها الحربية سوالو Swallow لتغلق خور موسى حيث كانت ترسو السفن الحربية للدولة الكعبية، ولكن المعركة انتهت فِي صالح الدَّولة الكعبية وزاد نفوذها فِي الإقليم. فقامت سنة 1763م بإغلاق شط العرب أمام السفن الصاعدة والنازلة فيه وأجبرتها عَلَى دفع رسوم معينة عَلَى أساس أن الشط خاضع لسيادتها، الأمر الَّذِي أثار غضب الدَّولة العثمانية فأوعزت إِلَى والي بغداد أن يتقدم بحملة عسكرية للقضاء عَلَى دولة كعب. وبالرغم من أن شركة الهند الشَّرقيَّة البريطانية أرسلت إِلَى ذلك الوالي سفينتين حربيتين هما سوالي Swallowوتارتار Tartar بناء عَلَى طلبه، إلا أن الهجوم العثماني باء بالفشل.
وانتهز كريم خان الهزيمة الَّتِي لحقت بالدولة العثمانية ليتفق معها عَلَى إعداد هجوم مشترك يستهدف القضاء عَلَى الدَّولة الكعبية الَّتِي أخذت تهدد مصالحهما المشتركة.
واستناداً لاتفاقه مع الدَّولة العثمانية فقد هاجم كريم خان دولة عربستان سنة 1765م، ولكن الجيش الكعبي أخذ ينسحب أمامه بهدف إنهاك الجيش الإيراني حيث فاجأه بعد ذلك بهجوم واسع أدى إِلَى اندحار الإيرانيين بخسائر فادحة، مما اضطر كريم خان -خوفاً من إبادة جيشه على الانسحاب- إِلَى تدمير السد الَّذِي أقامته الدَّولة الكعبية عند السابلة. وأرسل رسالة إِلَى الوالي العثماني وإِلى قائد المدمرة الإنجليزية فاني Fanny أعرب فيها عَنْ أسفه وخيبة أمله لتأخرهما فِي الهجوم عَلَى عربستان، الأمر الَّذِي تسبب فِي هزيمته ((وأنه قد انسحب من أراضي الدَّولة الكعبية)).
وَلَم تنس الدَّولة الكعبية المساعدة الَّتِي قدمتها شركة الهند الشَّرقيَّة البريطانية إِلَى الحملة التركية الإيرانية المشتركة ضدها. فقام الأسطول الكعبي بأسر سفينتي الشَّركة سالي Sally وفورت وليامس Fort Willams فِي 18/7/1765 بالإضافة إِلَى يخت الشَّركة الَّذِي كَانَ مبحراً من بوشير إِلَى البصرة. كما هاجم الجيش الكعبي فِي نفس الوقت مدينة البصرة وفرض عليها الحصار لمدة طويلة ولم ينسحب إلا بعد أن جنى لنفسه محصول تمر البصرة كله.
وبنتيجة المفاوضات الَّتِي أجراها وكيل شركة الهند الشَّرقيَّة مع الدَّولة الكعبية عقدت معاهدة تحالف، أطلقت الدَّولة الكعبية عَلَى أثرها سراج بحارة السفن المحتجزة واشترطت ألا يتم الإفراج عَنْ السفن ذاتها إلا بعد تصديق المعاهدة من قبل حكومة الهند البريطانية. ولكن الاخيرة لم تكتف برفض تصديقها فحسب، وانما اتفقت ايضاً مع الدولتين العثمانية والإيرانية عَلَى توجيه حملة مشتركة أخرى ضد الدَّولة الكعبية.
وأرسلت حكومة الهند البريطانية تنفيذاً لهذا الاتفاق ستة سفن حربية وفرقة مشاة ومدفعية. كما تقدم والي بغداد العثماني عَلَى راس جيش بري مزود باثنتي عشرة سفينة حربية. اما كريم خان زند فقد اشترط لكي يبدأ هجومه أن تهاجم القوات التركية الانجليزية المشتركة اقليم عربستان أولاً، خوفاً من تكرار هزيمته.
وبالرغم من أن التعليمات الحربية المشتركة بدأت ضد الدَّولة الكعبية فِي مايو 1766 إلا أنها لم تستطع تحقيق نصر حاسم. بل ان الهجوم الانجليزي العام باء بالفشل حيث قتل قائد الحملة كابتن بربور Capt. Brewer وتكبد الجيش الإنجليزي خسائر فادحة فِي الأرواح وفقد كافة مدافع الميدان مع ذخيرتها، وكانت نتيجة الهجوم العثماني العام غرق تسعة سفن من بينها سفينة القيادة، وفي هَذَا الوقت تماماً بدأ كريم خان هجومه عَلَى عربستان، فوجد سلمان نفسه محاصراً بثلاثة جيوش وجيشه منهك ((وحيث انه كَانَ شيعياً لذا فقد فضل التحالف مع كريم خان الشيعي، فأرسل اليه هدايا مع طلب الصلح والتحالف. وقبلها كريم خان ووافق عَلَى الانسحاب من دولة عربستان عَلَى أن تدفع له الدَّولة الكعبية ألف تومان سنوياً (ولكن هَذَا المبلغ لم يدفع بالمرة).
وأرسل كريم خان –تنفيذاً لهذا التحالف- رسالة إِلَى الوالي العثماني فِي أكتوبر1766 طلب فيها ايقاف العمليات الحربية والانسحاب من عربستان. ولما كانت الحملة التركية قد لاقت خسائر فادحة فقد وجدت فِي هذه الرسالة فرصة سانحة للانسحاب. وعندما وجد الإنجليز أنفسهم وحدهم، اضطروا إِلَى الانسحاب من عربستان ولكنهم فرضوا الحصار البحري عَلَى شط العرب بأربعة سفن حربية ولم يرفعوه إلا فِي سنة 1768م.
وفي هَذَا العام توفي سلمان وتولى العرش بعده ابنه غانم الَّذِي بدأ حكمه بالهجوم عَلَى مدينة البصرة واحتلالها. إِلَّا أَنَّ فَشل الكعبية فِي البقاء مدة طويلة فِي البصرة واضطرارها للانسحاب، اثار عليه غضب مجلس العشيرة فقتل غانم سنة 1769م وخلفه شقيقه داود. وازاء رفض الأخير اعادة الهجوم على البصرة فقد قتل هو ايضاً سنة 1770م بأمر من مجلس العشيرة. وخلفه بركات بن عثمان الذي قامت القوات الكعبية في عهده باحتلال مدينة البصرة ولم تنسحب الا بعد أن دفع والي البصرة العثماني فدية كبيرة. ولكن القوات الكعبية اعادة الكرة سنة 1775م، فهاجمت المدينة ليلا ونهبت اسواقها وبيوتها وانسحبت صباحاً مع غنائمها دون خسائر.
اثارت أنباء غزوات كعب ضد مدينة البصرة اطماع كريم خان، ولذلك أرسل جيشه بقيادة شقيقه صادق خان سنة 1776، واستطاع هذا الجيش احتلال البصرة .
ولم يستمر احتلال الإيرانيين لمدنية البصرة مدة طويلة فقد انسحبوا منها على أثر سماعهم بوفاة كريم خان. واضطر الانجليز الذين تسلموا إدارة المدينة خلفا للإيرانيين إلى دفع فدية كبيرة الى الدولة الكعبية لكي تسحب اسطولها وجيشها من تلك المنطقة.
توفي بركات سنة 1783م فخلفه حفيده غضبان بن محمد. وعندما توفى هذا الاخير سنة 1792م خلفه فارس بن داود، الذي عزله مجلس العشيرة سنة 1795م وعين علوان بن محمد خلفاً له، وفي عهد هذا الاخير طالب محمود خان أول زعيم قاجاري في ايران، الدولة الكعبية بدفع الضرائب التي كان يدفعها الأتراك الافشار ومقدارها (4000 تومان) ولكن علوان رفض دفعها، وبعد وفاته سنة 1801م خلفه محمد بن بركات بن عثمان الذي جدد رفض دفع هذه الضرائب فأصدر الشاه القاجاري مرسوماً سنة 1806م بتعيين ابنه الكبير محمد علي مرزا بوظيفة حاكم عام لعربستان إضافة لكرمنشاه وكردستان بالرغم من أن محمد علي لم يغادر مدينة شيراز (في فارس) مطلقاً.. وكرر غيث بن غضبان بن محمد رفض الدولة الكعبية دفع الضرائب – بعد أن خلف محمد بن بركات سنة 1812 – فتقدم الجيش الايراني بهدف احتلال مقاطعة الهنديان وعلى ألا ينسحب حتى توافق الدولة الكعبية على دفع تلك الضرائب. الا أن الهزيمة لحقت بالجيش القاجاري في مدينة (ده ملا) واضطر للانسحاب دون أن يحقق هدفه. ولقى هذا الجيش هزيمة أخرى سنة 1818م عندما حاول تكرار الهجوم على الهنديان.
وفي سنة 1826م هاجمت القوات الكعبية مدينة البصرة ولكن وصول النجدات من بغداد وانضمام الأسطول الكويتي الى القوات العثمانية اضطر القوات الكعبية الى الانسحاب فتعقبتها القوات العثمانية وفرضت الحصار على المحمرة، ولم يرفع الا بعد أن قدمت الدولة الكعبية فدية مالية الى قائد الحملة العثماني.
وعلى أثر هذه الهزيمة قتل غيث بأمر من مجلس العشيرة وخلفه شقيقه مبادو بن غضبان الذي اهتم بتقوية الجيش الكعبي حتى أصبح تعداد افراده (15000 من المشاة) و (7000) من الفرسان ولكنه لم يعش طويلا اذ توفي بدأ الطاعون، فخلفه شقيقه ثامر بن غضبان الذي تحسنت في عهده الحالة الاقتصادية للدولة الكعبية بعد اصلاح السدود وتطوير نظام الري في الاقليم. كما ادى استقرار النظام والأمن في هذه الدولة الى انتعاش الحركة التجارية، خاصة بعد اعلان مدينة المحمرة كميناء حر. وكان لذلك كله وعلى وجه الخصوص الاعلان الاخير أثره في قلة ايرادات ميناء البصرة، الأمر الذي أثار نقمة الدولة العثمانية، فقام الجيش العثماني بمهاجمة المحمرة فجأة سنة 1837 واحتلها بعد قتال دام ثلاثة أيام، فاضطر ثامر بن غضبان الى الالتجاء الى الكويت وترك للدولة العثمانية حرية بسط سيطرتها على كافة نواحي دولة عربستان.
وبعد أن استتب الأمر للدولة العثمانية في عربستان قامت بتعيين عبد الرضا بن بركات محل ثامر بن غضبان في حكم عربستان ، ولكن جابر بن مرداو زعيم عشيرة كعب (وهو من آل بو كاسب) طلب مصالحة الدولة العثمانية فكتب الى قائد الجيش رسالة جاء فيها ((أن بني كعب ميالون الى جهة الدولة العثمانية اذا ما صفت لهم، وأنهم على استعداد لمناصرتها متى ما رغبت، ولم يشقو عليها عصا الطاعة في يوم مِن الأيام))، وترضية لهذه العشيرة وافقت الدولة العثمانية على تولي جابر حكم مدينة المحمرة بصورة مستقلة بعيدا عن دولة عربستان .
ولكن جابر –خلافا لاتفاقه مع الدولة العثمانية- قام بطرد عبد الرضا وتولى بنفسه حكم عربستان كلها، وعندما همت الدولة العثمانية بالهجوم على عربستان طلب جابر المعونة من الدولة القاجارية. وهنا تدخلت روسيا وانجلترا في النزاع خوفا على مصالحهما التجارية في منطقة الخليج. وبناء على ذلك فقد أوقفت الاستعدادات العسكرية، وبدأت المفاوضات بين الدول الاربعة في مدينة (ارزنة روم) في الأناضول التركي. وبنتيجتها عقدت معاهدة ارض روم سنة 1847 التي نصت في مادتها الثانية على:
((تعترف الدولة العثمانية بصورة رسمية بسيادة الدولة الايرانية التامة على مدينة المحمرة ومينائها وجزيرة خضر والمرسى والاراضي الواقعة على الضفة الشرقية –اي الضفة اليسرى- من شط العرب التي هي تحت تصرف عشائر معترف بأنها تابعة لإيران)).
وبدأت الدولة القاجارية استنادا إلى نصوص معاهدة ارض روم وبمساعدة الإنجليز والروس في محاولة ضم الجزء المتنازل عنه من دولة عربستان. الا أن مقاومة شعب عربستان اجبرتها على الاكتفاء ببعض المدن في اقصى الشمال وأرسال حامية عسكرية بحرا الى المحمرة، بعد ان تعهدت الدولة الكعبية أن الهدف من ارسال هذه الحامية هو الدفاع عن المدينة ضد اي هجوم تركي محتمل، وبعد أن اعترفت رسميا بحكم الامير جابر لدولة عربستان.
ولم يقدر للتحالف الانجليزي الايراني الاستمرار طويلا بسبب طمع القاجاريين في أفغانستان وهجومهم عليها فعلا سنة 1856م، حيث قامت الحرب بين إيران وإنجلترا على اثر هذا الهجوم. وفي نفس السنة هاجمت القوات البريطانية عربستان واحتلت المحمرة والأحواز وأعطيت بذلك الفرصة للدولة الكعبية للتخلص من الوجود الايراني والاتفاق مع الانجليز لضمان استقلالهم. ويقول قائد الحملة الانجليزية في هذا الخصوص ما نصه ((إن الثورة بين العشائر العربية تبدو حتمية اذا قدر للجيش الإيراني العودة إلى المحمرة. وقد تسلمت طلباً من هذه العشائر لضمان استقلالهم وأن العرب المحاربين الأشداء هم فعلا مستقلين في الوقت الحاضر ولديهم القدرة على المحافظة على هذا الوضع)).
وبعد انسحاب الجيش الانجليزي من عربستان سنة 1857م بدأت المفاوضات بين الدولتين القاجارية والكعبية وبنتيجتها أصدرت الدولة القاجارية مرسوماً في نفس السنة نص على:
- تكون إمارة عربستان لجابر بن مرداو ولأبنائه من بعده.
- تكون الجمارك تحت إدارة الدولة الإيرانية ويدير شؤونها نيابة عنها أمير عربستان.
- يقيم في المحمرة مأمور يمثل الدولة الإيرانية لدى امير عربستان، وتنحصر مهمته في الأمور التجارية فقط.
- يتعهد أمير عربستان بنجدة الدولة الإيرانية بجيشه في حالة اشتباكها بحرب مع دولة أخرى.
- يتعهد الشاه ناصر الدين قاجار بعدم التدخل في الشؤون الداخلية لعربستان.
- عربستان لها كيانها المستقل في علاقاتها الخارجية مع الدول الأخرى)).
توفى جابر سنة 1881م فخلفه ابنه مزعل الذي سار على نهج والده في دعم نفوذ الدولة الكعبية في إمارة عربستان. وعندما أحس بأن الدولة الإيرانية تحاول من جانبها أن تمس بوضع دولته المستقل، وجه لها إنذاراً بتاريخ 11/5/1888 ((بأن الدولة الكعبية ستعلن الحرب على إيران إذا حاولت الأخيرة التدخل في شؤون دولته وأنه لا يخشى النتائج التي تترتب على ذلك)).
كان انفراد الدولة الكعبية بالملاحة في نهر الكارون، الذي يكاد يكون النهر الوحيد الصالح للملاحة في عربستان، من أسباب الخلاف بينها وين إنجلترا، ولما فشلت هذه الأخيرة في إقناع الأولى بالسماح لها بمشاركتها في الملاحة لجأت إلى الشاه القاجاري وأهدته سفينتين ووعداً بمساندته ضد روسيا، فأصدر الشاه إعلانا في 30/10/1888 فتح بموجبه القسم الذي يجري من نهر الكارون في إقليم عربستان للملاحة الدولية.
وتسلح الإنجليز بهذا الاعلان وأخذوا ينقلون البضائع بسفنهم في نهر الكارون ولم تكن الدولة الكعبية تستطيع أن تفعل شيئاً إزاء الضغط الإنجليزي الإيراني المشترك فاكتفت بمضايقة السفن الإنجليزية، الأمر الذي أدى إلى تردي العلاقات بينها وبين إنجلترا. فانتهزت الدولة الإيرانية هذه الفرصة واحتلت مدينتي دزفول وتستر وأعلنتهما مقراً للحاكم الإيراني العام لإقليم عربستان. ان السياسة التي اتبعها الامير مزعل ضد الانجليز سبب حنقا عليهم فقتل مزعل سنة 1896 وانتخب محله شقيقه الأميرخزعل .
بدأ خزعل حكمه بإجبار الجيش الإيراني على الانسحاب من مدينتي دزفول وتستر بعد معارك عديدة خاضها ضدايران الجيش الكعبي وحررت على أثرها هاتين المدينتين وعين فيهما حاكمين عربيين.
ولم يكتف خزعل بذلك بل سارع –بعد أن دعم سلطانه على كافة نواحي إمارة عربستان- إلى إرسال وفد إلى طهران بهدف تأكيد استقلال الدولة الكعبية، وعدم موافقته على اي تدخل في الدولة القاجارية في شؤونها الداخلية كما استمر في زيادة نفوذه وتدعيمه في للدولة مستغلا في ذلك صداقته مع إنجلترا ((حتى إن المحمرة أصبحت أقوى من طهران)).
وعلى العكس من إمارة عربستان التي
ساد فيها النظام والأمن والإدارة المركزية للدولة الكعبية، فقد تفشت الفوضى في إيران وأخذت روسيا وبريطانيا في التدخل في شؤونها الداخلية وأصبح من الواضح أن الحكم القاجاري لن يستمر طويلاً. ولذلك فقد خشى خزعل أن يؤدي سقوط الدولة القاجارية إلى التأثير على الوضع المستقل للدولة الكعبية، خاصة مع خطر تقدم روسيا أو المانيا في إيران. لذا فقد طلب من بريطانيا ضماناً بأن التغييرات التي قد تحدث في إيران لن تؤثر على الوضع المستقل لدولته، وأكد لها بأن تقاعسها عن تقديم مثل هذا الضمان يعني أنه سيطلبه من الدولة العثمانية. ولكن بريطانيا أكدت للدولة الكعبية أنها ستضمن استقلالها والمساواة في معاملتها من قبل تركيا وإيران على حد سواء.
ولما بدأت الشواهد تدل على وجود البترول في إقليم عربستان بالقرب من حدوده الشرقية مع إيران، سعت بريطانيا للحصول على امتياز استخراجه من الشاه القاجاري مظفر الدين سنة 1901.
وخوفاً من رفض الدولة الكعبية السماح بإجراء عمليات التنقيب واستخراج البترول باعتبارها تمس باستقلالها، قامت بريطانيا بالتفاوض معها على أساس أن حصولها على امتياز استخراج البترول من ايران لم يكن القصد منه المساس بالسيادة الكعبية على المناطق الشرقية من إقليم عربستان، وإنما باعتبار أن إيران دولة حامية لعربستان. وقدمت بريطانيا تعهداً بأنها لن تسمح بالمساس باستقلال الدولة الكعبية وسيادتها على اقليمها.
وقام شاه إيران من جانبه لإزالة الأثر السيء الذي تركه امتياز استخراج البترول 1901 على العلاقات الكعبية الإيرانية، بإصدار مرسوم في يناير 1903 نص على منح أمير عربستان (كل مقاطعة الهنديان وده ملا، كأملاك خاصة له إضافة إلى الأراضي الواقعة شرقي الكارون. وأن الحكومة الإيرانية ليس لها الحق في نزع هذه الملكية مستقبلا).
وبعد تقسيم الدولة الإيرانية إلى مناطق نفوذ بين روسيا وبريطانيا بموجب معاهدة 1907 أعطت بريطانيا وعدها للدولة الكعبية بأن تلك المعاهدة لن تؤثر على وضعها المستقل كما أعطتها تعهداً آخر بحماية استقلالها ضد أي اعتداء يحتمل وقوعه ضد إمارة عربستان. ومقابل ذلك وافقت الدولة الكعبية على امتداد امتياز 1901 ليشمل القسم الشرقي من عربستان. وسمحت لبريطانيا أن تمد أنابيب البترول عبر دولة عربستان وحتى جزيرة عبادان. كما منحتها امتيازاً لإقامة مصفاة للبترول في تلك الجزيرة وتعهدت بحماية حقول البترول وخط الأنابيب وجميع منتسبي الشركة.
وعندما بدأت نذر الحرب العالمية الأولى تلوح في الأفق الدولي خافت بريطانيا على مصالحها في امارة عربستان فقامت بالتفاوض مع الدولة الكعبية. من أجل ضمان مساعدتها وحماية مصالحها في أثناء الحرب. وكانت نتيجة المفاوضات موافقة الدولة الكعبية على التحالف مع بريطانيا ضد تركيا وألمانيا مقابل تعهد بريطانيا باحترام استقلال عربستان.
وبعد نشوب الحرب العالمية الأولى أعلنت الدولة الكعبية الحرب ضد الدولة العثمانية بينما أعلنت الدولة الإيرانية وقوفها على الحياد.
وفي فبراير 1915 وصلت طلائع القوات العثمانية –وبصحبتها بعض العشائر العربية- الى مشارف نهر الكرخة حيث قامت بتخريب خط أنابيب البترول في عدة أماكن.
ولكن الجيش الاحوازي بدأ هجومه ضد تلك القوات منذ 20/5/1915 واستطاع أن يستعيد سيطرته على تلك المنطقة، وأجبر المهاجمين على الانسحاب بعد أن دمر مركز قيادتهم إلا أن وصول النجدات إلى القوات العثمانية وزيادة الاضطرابات على الحدود الشرقية لعربستان بسبب وجود الجاسوس الألماني واسموس Wasamuss، اقتضى نزول القوات البريطانية في المحمرة بناء على طلب الدولة الكعبية التي تولت قواتها حراسة مقر القيادة البريطاني في هذه المدينة.
وبدأت على أثر ذلك العمليات الحربية البريطانية الكعبية المشتركة ضد القوات العثمانية والعشائر العربية المتمردة على حكم الدولة الكعبية من جهة، وضد عشار البختيارية التي كانت وراء الاضطرابات في شرق إقليم عربستان من جهة أخرى.. وبنتيجتها أعيد النظام والأم الى تلك المناطق تماماً منذ بداية سنة 1916.
انتهت الحرب العالمية الأولى و ((دولة كعب أقوى دول المنطقة)).
ولذلك فقد كان دعمها لثورة 1920 في العراق التي كانت تدعو إلى الاستقلال التام سبباً من أسباب نجاح هذه الثورة. ولذلك أيضاً فقد رشح أمير عربستان نفسه لتولي عرش العراق، ولكنه اضطر بعد ذلك لسحب ترشيحه بضغط من الانجليز لصالح مرشحهم فيصل بن الحسين بعد أن وعدوه بأن ولاية البصرة ستفصل عن العراق لتتحد مع عربستان تحت حكمه.
الأمير خزعل والملك فيصل ملك العراق
في سنة 1920 قام رضا خان رئيس فرقة الحرس القوزاق الإيرانية بانقلاب عسكري على الحكومة القاجارية، وعين نفسه وزيراً للحربية في وزارة اسند رئاستها إلى ضياء الدين ثم طرده بعد ذلك ليتولى بنفسه رئاسة الوزارة. واستغل رضا خان الشعور المعادي لبريطانيا في إيران الذي أخذ يزيد بعد الحرب العالمية الأولى فحصل من بريطانيا على وعد بإعطاء الدولة الإيرانية مساحة كبيرة من الأراضي العراقية شمال مدينة مندلي، على أساس أن الدولة العثمانية قد ألحقت أضراراً بإيران خلال الحرب. ولكن وضع العراق تحت الانتداب البريطاني، بقرار من عصبة الأمم أجبر بريطانيا على صرف النظر عن هذا الوعد.
وبالنظر لخوف بريطانيا من النفوذ المتزايد للدولة الكعبية، والنتائج التي أدت إليها دعوة هذه الدولة إلى الوحدة العربية بحيث باتت تهدد مصالحها، التي تحت تقسيم الوطن العربي إلى أجزاء عديدة، لذلك فقد اتفقت بريطانيا مع الدولة الإيرانية على إقصاء أمير عربستان وضم إمارة عربستان إلى ايران ((تحقيقاً لمصالح بريطانيا)).
وكانت الخطوة الأولى لتنفيذ هذا الاتفاق تطبيق رضا خان سياسته (تفرقت أفكن وحكومت كن – فرق تسد) في عربستان. حيث أخذ يحرض بعض العشائر على التمرد وإعطاء بعضهم القاب نائب الحكومة الإيرانية في الإقليم. ولكن أمير عربستان أحس بهدف الحكومة الإيرانية من وراء هذه المحاولة فأرسل لها إنذاراً ((حذرها فيه بعدم التدخل في شؤون الدولة الكعبية)).
وكانت الخطوة الثانية اللجوء إلى التفرقة المذهبية على اساس أن أمير عربستان قد كفر بالدين لما دعا إلى الوحدة العربية. فتقدم الجيش الإيراني على أثر ذلك واحتل مدينتي دزفول وتستر سنة 1924. وقبل أن يعطي أمير عربستان أوامره للجيش الكعبي بمقاومة هذا الهجوم تدخل الانجليز وأقنعوه بأن الجيش الإيراني احتل هاتين المدينتين من أجل القضاء على المظاهرات المعادية له فيهما. وأنه ليس من صالحه الاصطدام بهذا الجيش في ذلك الوقت خاصة وأنه سينسحب حالما تستقر الأمور في الإقليم.
كما لجأ الإنجليز خوفاً من رد الفعل العراقي إلى الضغط على الحكومة العراقية وبنتيجة هذا الضغط أصدر مجلس الوزراء العراقي قراراً في 18/10/1924 نص على أن ((تكون الحكومة العراقية على الحياد التام تجاه الحركات العسكرية القائمة في إمارة عربستان ويبلغ هذا القرار إلى الألوية –المحافظات- المجاورة لمنطقة الحركات)). كما عقد الملك فيصل الأول مؤتمراً صحفياً طلب فيه من الصحفيين العراقيين عدم نشر أي خبر يتعلق بعربستان بشكل قد يسيء إلى العلاقات العراقية الإيرانية.
ولما وجد خزعل نفسه وحيداً لجأ إلى الإنجليز طلباً لنصيحتهم وبناء على تأكيدهم بضمان استقلال عربستان، فقد دبرت مؤامرة مع رضا بهلوي جيث اختطفته بريطانيا عنوة ) بعد أن كانت الحجة انهاء الخلاف غبر التفاوض مع رضا خان. ولكنه وضع تحت الإقامة الجبرية حتى استشهد سنة 1936.
وكانت الخطوة الثالثة والأخيرة في القضاء على الدولة الكعبية إصدار رضا خان بياناً جاء فيه:
((1. يتنازل أمير عربستان خزعل المحيسن عن الحكم إلى ابنه الشيخ عبدالله حيث وضع ايضا باقامة اجبارية .
- يحق للدولة الإيرانية أن تشرف على الحكم الداخلي في عربستان.
- تقطع عربستان علاقاتها الخارجية مع الدول الأخرى التي كانت قد عقدت معها معاهدات تجارية أو أقامت معها علاقات سياسية)).
وعلى أثر إذاعة هذا البيان تقدمت القوات الإيرانية إلى المحمرة فاحتلها في 22/ 7/ 1925 لفترة قصيرة، واستطاع الجيش الكعبي أن يجبرها على الانسحاب بعد يومين من احتلالها واسترد بذلك سيطرته على هذه المدينة.
ولكن بريطانيا لم تكن تستطيع قبول فشل مخططها بالقضاء على الدولة الكعبية فقامت المدمرة البريطانية ترياد Triad بمهاجمة ميناء المحمرة حيث أطلقت مدفعيتها على المدينة وتقدمت في الوقت ذاته قوات حربية بريطانية مكونة من فرقة مدرعة وفرقة مشاة من البصرة وبدأت هجومها على إمارة عربستان، الأمر الذي اضطر الجيش الكعبي إلى الانسحاب إلى مدينة الفلاحية حيث كانت سياسة (فرق تسد) قد أتت ثمارها، فأنقسم العربستانيون إلى قسمين: قسم يؤيد خزعل، وقسم يعاديه. بالنظر لمساندة القوات البريطانية الإيرانية المشتركة للقسم الأخير، فقد اضطر المؤيدون لخزعل إلى الانسحاب إلى العراق.
واستطاعت الحكومة الإيرانية بذلك بسط سيطرتها على إمارة عربستان الذي فقدت كيانها العربي كدولة مستقلة ليصبح ولاية إيرانية تعرف باسم خوزستان