التاريخ الأحـواز السياسي

تاريح الأحواز

الأرض
الشـعـب
السيادة
نضال الاحواز
 

عـودة لصفحة التاريخ

السيادة

سيادة عـربستان عـبر التاريخ

يرجع وجود العرب في منطقة حوض كارون ( الأحواز) الى زمن تاريخي سحيق يرتبط بتكون الأحواز نفسه . وهم يكونون الى يومنا هذا الأغلبية الساحقة المطلقة فيه . والحقيقة الراسخة هي ان عـربستان ( الأحـواز ) وطن عربي ، وان عروبتها لم تكن وليدة ظرف تاريخي طارىء ، وانما هي أمر ثابت في اعـماق التاريخ يعود في أصوله الى جذور ماض عريق في عروبته والى طبيعة تكون الأحواز منذ أول نشأته .

والتاريخ القديم يؤكد أن عرب الأحواز ظلوا أسياد ساحل الخليج العربي ، وأن الفرس وملوكهم لم يتمكنوا أبدا من التقدم نحو البحر ، وأنهم (( تحملوا صابرين على مضض بقاء هذا الساحل ملكا للعرب )) ، راجع جاكلين بيرين : اكتشاف جزيرة العرب صفحة رقم 166 ، ولعل خير تعليل يوضح عجز الفرس عن ركوب البحر هو ما جاء به سير بيرسي سايكس أحد المهتمين بدراسة تاريخ فارس ، حيث قال : (( ليس هناك شيء يوضح تأثير العوامل الطبيعية في ميول الناس وسلوكهم أكثر من النفور والكره اللذين يظهرهما الفرس دائما نحو البحر الذى تفصلهم عنه حواجز جبلية شاهقة )) راجع Sykes, Sir Percy : A History of Persia, Vol, II, pp, 366 .

ويجمع الباحثون في كتابات الرحالة الجغرافيين الذين جابوا المنطقة وكتبوا عنها على أنه ليس بين هؤلاء الرحالة من ذكر او أشار الى تبعية عربستان ( الأحواز ) للحكم الفارسي ، بل انها كانت عندهم عربية الطبيعة تماما ، وانها تعتبر مع القسم الأسفل من بلاد مابين النهرين وحدة جغرافية طبيعية وحضارية شاركت في الماضي في ازدهار الحضارة السومرية والأكدية ثم برزت بعدها سماتها العربية ، وترسخ سلطان حكمها العربي حتى جاء النفوذ العربي الاسلامي وامتد عـبر بلاد فارس وتجاوزها . راجع جان جاك بيريبي : الخليج العربي صفحة 98 .

واذا ارد نا ان نعرج قليلا على تاريخ الاحواز ما قبل الميلاد نجد ان :

عندما بدأت المياه تنحسر عن الأحواز في الألف الثالث قبل الميلاد . بدأ في استيطانها شعب سامي خضع في بادىء امره لسلطان المملكة الاكدية في العراق . لكن هذا الخضوع لم يتصف بالدوام والاستقرار بسبب ثورات العيلاميين الذين سيطروا على عربستان وغاراتهم المتقطعة على بعض المد ن الاكدية . حتى استطاع العيلاميون اكتساح المملكة الاكدية واحتلال عاصمتها أور ، وانشأوا المملكة العيلامية التي بسطت سلطانها على الاقوام السامية التي تستوطن عربستان .

وجاء دور البابلين الذين اخضعوا المملكة العيلامية الى سلطانهم فى عهد حمورابي سنة 2094 قبل الميلاد ثم ظهرت الدولة الاشورية التي احتلت عاصمة عربستان تستر سنة 646 قبل الميلاد لكن حكم الاشوريين لعربستان لم يستمر طويلا فقد استطاع الكلدانيون والميديون القضاء على الاشوريين ، وخضعت الأحواز للكلدانيين .

وحينما ظهرت المملكة الاخمينية وغزت الأحواز سنة 539 قبل الميلاد لم يغيروا من نظام الحكم في هذا القطر العربي لاستمرار الساميين في التمتع باستقلالهم الذاتي وقوانينهم البابلية . ولم يحاول الاخمينيون فرض ديانتهم الزرادشتية على الأحواز وانما تركوا لسكانه حرية الخضوع لقوانينهم الخاصة .

وخضع الأحواز بعد ذلك لحكم الاسرة السلوقية والبارثية من بعدها . ولما ظهرت الاسرة الساسانية بسطت سيطرتها على عربستان سنة 241 ميلادية . لكنها لم تستطع اخضاع الأحواز اخضاعا تاما بسبب الثورات المستمرة فيه الامر الذي كان يفرض عليها توجيه حملات عسكرية لمواجهة هذه الثورات حتى اقتنعت المملكة الساسانية بصعوبة حكم العرب فسمحت لهم بانشاء امارات تتمتع باستقلال ذاتي . ويذكر شفيق ارشيدات ان عربستان طيلة عهد الساسانيين وحتى أوائل القرن الرابع الميلادي أرض عربية خالصة تربطها بفارس روابط دفاع عسكري وتعاون تجاري . وكان شعب عربستان في هذه الفترة شعب عربي تحكمه اعرافه وتقاليده العربية وتربطه بالامبراطورية الفارسية سلطة اسمية وولاء رمزي .

كانت كل بلادنا ، في هذه الفترة ( 135 قبل الميلاد - 637 ميلادية ) خاضعة لحكم الاغراب البيزنطيين ولم تقم ، خلال طول هذه الفترة ، دولة مركزية واحدة قوية تمثل سيادتها ، وتستعيد حرية اجزائها ، فالفرس في الشرق ، كل الشرق ، بما في ذلك مابين النهرين ، الذي سماه الفرس (( ايراه )) فعربناه الى عراق ، والروم في الغرب كل الغرب ، من شمال غرب انطاكية حتى غزة ، على مساحة واسعة تشمل القد س والشام والمناطق الوسطى ، جميعا ، وكان علينا ان ننتظر الاسلام ، وحركة الفتح العربي الاسلامي ، ومعركتي القادسية والمدائن ، حتى يبدأ تحرير الهلال الخصيب ( المشرق العربي ) من الاستعمارين الفارسي والبيزنطي ، فتحررت العراق و الأحـواز من براثن الاستعمار الفارسي ولحقت الهزيمة النكراء بالجيش الفارسي الساساني سنة 636 ميلادية بقيادة القائد العربي الاسلامي سعد بن ابي وقاص في معركة القادسية الكبرى واستكمل تحرير الأحواز سنة 637 ميلادية ، والحقت بولاية البصرة حتى العام 132 هجري ، ثم صارت ولاية مستقلة في العهد العباسي ( 132 هـ - 256 هـ ) ، وصارت احد المراكز المهمة في تجارة الدولة العباسية المركزية حين اولى العباسيون الأخـواز وجنوب العراق اهتماما خاصا .

الدولة العباسية تضعف ، وتتهاوى وتقع تحت نفوذ الفرس والترك ، وكانت المنطقة ، شأن كل مناطق البلاد الاخرى ، تتأرجح بين التبعية للدولة المركزية العباسية المتهاوية او تستقل عنها بامارة خاصة ، حتى سقوط الخلافة العباسية على ايدي المغول في العام 316 هـ / 1258 م .

دولة المشعشعين العربية

ولما ضعف المغول ، تحررت الأحواز واستقلت على يد محمد بن فلاح ، وهو من ارومة عربية تعود الى الامام علي بن ابي طالب عليه السلام الذي تمكن بمساعدة بعض القبائل العربية من تأسيس امارة عربية في الأحواز وكانت عاصمتها مدينة الحويزة سميت بامارة المشعشعين العربية ، التي ما لبثت ان اتسعت حتى شملت مناطق واسعة من ارض العراق ، حتى بغداد . وكانت النقود تضرب باسم المشعشعين في مدينة (( تستر )) و (( دسبول - قنطرة القلعة )) وهما مد ينتان احوازيتان عام 914 هـ / 1516 م . استكملت دولة المشعشعين سيادتها على عربستان كلها وعلى المناطق المجاورة لها ، في الوقت الذي لم يكن فيه للفرس اي وجود سياسي ، وبقيت فارس طيلة العصور الوسطى مجرد تعبير جغرافي . ولكن في عام 1501 م أنشأ اسماعيل الصفوي الدولة الصفوية ، وذلك أيام حكم المشعشعين في عربستان ، فبدأت عندئذ مرحلة متميزة من مراحل تاريخ المنطقة ، اذ ظهر الصفويون كقوة جديدة مقابل قوة العثمانيين ، وبدأ بينهما صراع حاد أصبحت فيه عربستان احدى ساحاته . فقد تعرضت عربستان لهجوم فارسي صفوي وتم احتلال مدينتي دزفول وتستر الشماليتين لفترة وجيزة ، وعندئذ ظهر مبارك بن عبد المطلب بن بدران الأمير المشعشعي الذي حكم من عام 1588 م الى عام 1616 م ويعتبر حكمه عصرا ذهبيا لامارته حيث استطاع فرض سيطرته على أنحاء عربستان كلها ، وطرد الفرس الغزاة واسترد مدنه الشمالية منهم .

ويذكر الرحالة البرتغالي بيد رو تاسكيرا الذي زار المنطقة عام 1604 م أن جميع الاقليم الواقع الى شرق شط العرب كان يؤلف امارة عربية يحكمها مبارك بن عبد المطلب الذي كان مستقلا عن الفرس وعن الاتراك ، وان هذا الامير قد دخل في تحالف عسكري مع الدولة البرتغالية التي كانت قد وسعت نفوذها يومئذ في الخليج العربي .( راجع The Travels of Pedro Teikeira, with his <<Kings of Harmuz >> and Extracts from his << Kings of Persia>>, Hakluyt Society , 1902

أما الرحالة الايطالي بترو ديلا فالي الذي زار حوض نهر كارون الى مصبه في شط العرب ، فقد ذكر ان الشيخ منصور بن عبد المطلب الذي حكم من عام 1634 م الى عام 1643 م كان يسيطر على شط العرب الى درجة انه لم يسمح لاية سفينة بأن تمر الا بعد ان تدفع ضريبة لوكيله ، وأنه كان على اتصال دائم مع حاكم البصرة ، كما أنه كان يقاوم بقوة محاولات شاه عباس الاول التدخل في شؤون امارته الداخلية .

كما لاحظنا ان هذه الامارة الأحوازية كانت تتوسط سلطتين كبيرتين تتنازعان السيطرة على الأحـواز هما الفرس ، بقيادة الاسرة الصفوية ، والعثمانيون ، وكان عليها ان تحمي نفسها باستمرار من هاتين الدولتين الطامعتان بالأحـواز ، في حروب كثيرة كانت تخرج امارة المشعشعين منها منتصرة .

كان المشعشعون من الشيعة ، كما شاهدنا ، وكانوا اكثر من هذا ، هاشميين ، يعود نسبهم الى الامام علي عليه السلام ، وكذلك كانت تدعي الاسرة الصفوية التي اسسها الشاه اسماعيل بن صيرر انها ذات نسب هاشمي متصل بالامام علي (ع) نفسه . ولكن هذه القرابة المذهبية والعائلية لم تكن حائلا دون تكرار هجمات الصفويين على الاحواز لاحتلالها ، بل كانت هذه القرابة تستخدم لغرض الاحتلال ، كما كان العثمانيون ، من الجانب الاخر ، يستخد مون التمايز المذهبي ( بوصفهم من السنة ) لتبرير هجماتهم على الامارة الشرقية ، واكمال اطباقهم على البلاد العربية .

حكمت امارة المشعشعين الأحواز زهاء خمسمائة عام . واستطاعت دولة المشعشعين الأحوازية ابعاد الأحواز عن النفوذ العثماني والفارسي . وهناك ادلة كثيرة على ذلك فحينما حاول الصفويون احتلال بغداد طلبوا المعونة العسكرية من الدولة المشعشعية على اساس ان الدولة العثمانية عدوتها المذهبية . لكن الامير المشعشعي منصور أجاب الشاه الصفوي (( اذا كان الشاه ملكا على فارس فأنا أيضا ملكا في عربستان ولاقيمة للشاه عندي )) . وبعد هزيمة الصفويين وقعت معاهدة 1639 م بينهم وبين العثمانيين . واعترفت هاتان الدولتان في هذه المعاهدة باستقلال الدولة المشعشعية فى الأحواز .

وقد خضعت الدولة المشعشعية عدة معارك ضد الفرس كان الانتصار حليفهم فيها . كما انها ضمت البصرة والقرنة اليها فترة من الزمن . وبصورة عامة فانها استطاعت ان تحافظ على استقلال الأحـواز بعيدا عن الفرس والعثمانيين . وقد انتهى حكم الدولة المشعشعية سنة 1724 م .

وبعد المشعشعين ، توالت على الأحـواز ( عربستان ) ، التي استطاعت اكثر من اية منطقة اخرى ان تصمد للسيطرتين التركية والفارسية ، امارات عدة ، وهي امارة كعب آل بوناصر ( 1690 م ) ، وامارة كعب آل بوكاسب ( 1832 م ) ، وامارة القواسم ، وامارة المنصور ، وامارة آل علي ، وامارة المرازيق ، وامارة بنو حماد ، وامارة العباد لة ... وهي كلها ، كما ترى امارات عربية ، امنت استمرار السيادة القومية لقطر الأحـواز ( عـربستان ) ، خلال قرون وعصور ... رغم الاطماع الفارسية الدائمة ، والصراع الفارسي العثماني ، والتكالب البرتغالي البريطاني على خيرات الأحواز والشرق ، وقرصناتهم ودسائسهم السياسية ومكائدهم العسكرية ... حتى سقوط الدولة العثمانية ، والاحتلال البريطاني الفرنسي ، ومعاهدة سايكس بيكو ، وتقسيم المشرق العربي الى دول ، واقتطاع اجزاء منه مثل الأحـواز ومنحها للفرس ، وفلسطين ومنحها لليهود ، وسلخ انطاكية والاسكندرون من سوريا ومنحها للأتراك ... اذ كان الغربيون بحاجة الى الاتراك والفرس واليهود في تمزيق الجسم العربي من خلال هذه المثلث الاستيطاني الجاثم على صدر الامة العربية .

امارة البوناصر العـربية الـكـعـبية

كانت رئاسة القبائل العربية الكعبية المعروفة في جنوب الأحـواز الى عائلة البوناصر وقد اتخذوا مدينة القبان مقرا ومركزا لامارتهم وكان أعظم رجل منهم تولى الامارة هو الشيخ سلمان بن سلطان الكعبي . وفي عام 1160 هـ / 1747 م نقل الشيخ سلمان مركز أمارته من مدينة القبان الى مدينة الفلاحية في منطقة الدورق واتخذها مقرا لامارته ، أسس امارة البوناصر الشيخ ناصر بن محمد الكعبي وهو أول رئيس معروف لبني كعب في امارة البوناصر حيث سميت هذه الامارة ( باسمه امارة البو ناصر ) .

حكم امارة البوناصر من ابيهم كل من الاخوة علي ومحمد وعبدالله ورحمة وسرحان اولاد ناصر مؤسس الامارة وكان ذلك من عام 1690 م - 1722 م .

ومن بعدهم تولى الامارة الشيخ فرج الله بن عبدالله الكعبي عام 1722م وحصلت في ايامه حروب دامية بينه وبين القاجاريين ( ملوك فارس ) وقد حاصرهم محمد حسين خان بجيش قوامه ثلاثون الفا من العجم والاكراد واستطاع رجال كعب ان يفكوا الحصار وفي النهاية انتصر كعب وخسر القاجار .

ويعتبر سلمان بن سلطان بن ناصر من اقوى الامراء العرب الذين حكموا هذه الامارة حيث رأت الامارة في عهده الاصلاح والتقدم والعمران .

فخفر الانهر وشق الترع واقام السدود ونظم الزراعة . كما انشأ الشيخ سلمان الكعبي اسطولا بحريا جاب مياه شط العرب والخليج العربي حيث ارهب اساطيل الانكليز والفرس والعثمانيين .

وفي عام 1747 م تمكن الشيخ سلمان من نقل امارته من القبان الى الفلاحية في الدورق بعد قتال عنيف بينه وبين الغزاة الفرس .

كما ان الشيخ سلمان ارهب باشا بغداد في وقته كما اشتبك أسطوله مع الاسطول البريطاني التابع لشركة الهند الشرقية فدحرها واستولى على سفينتين منها - سالي واليخت - وسحبهما الى القبان .

لقد قضى الشيخ سلمان اكثر سنوات حكمه في تركيز دعائم امارته وحماية استقلالها اضافة الى المنجزات العمرانية والاقتصادية التي نفذها في امارته .

وفي عام 1767 م توفي الشيخ سلمان ، وبعد وفاته تولى الامارة من بعده اولاده واحفاده وكان اخر من تولى هذه الامارة هو الشيخ عبدالله بن عيسى بن غيث بعد وفاة أخيه رحمه بن عيسى بن غيث والذي سار على نهج اخيه في منازعاته مع الشيخ جعفر واستمر الوضع على هذه الحالة حتى عهد الشيخ خزعل اخر واقوى أمراء البوكاسب الذي نازعه على الشيخة الشيخ عبد الحسن بن عبود بن محمد امير الفلاحية الملقب بشيخ المشايخ ولم ينجح حتى توفي .

امارة البوكاسب العـربية الـكـعـبية

بعد ان انتقل البوناصر من مدينة القبان الى الفلاحية في الدورق تخلفت ثلاث اسر كعبية هما النصار ، الدريس ، البوكاسب . وبقوا قاطنين على ضفاف نهر كارون في جزءه الجنوبي وشط العرب فانقسمت بني كعب الى قسمين قسم منهم في الفلاحية والاخر في جزيرة عبادان ومدينة المحمرة .

ومن نتائج هذا الانقسام تلاشت قوة كعب التي لعبت دورا ايجابيا في حكم امارة الاحواز وفي منطقة الخليج العربي ، لكن حل محلها فخذ اخر منها هو قبيلة البوكاسب والتي أسست أمارة المحمرة العربية وكان قيامها هناك ضرورة اقتضتها السيطرة على مدخل نهر كارون الشريان الرئيسي لحياة الامارة الاقتصادية . الذي بدأ الغرب حينئذ يوجه أنظاره اليه لاستغلاله والنفاذ منه الى مشارف الاحواز وماجاورها طمعا في خيراتها وثرواتها الطبيعية .

فكان مرداو عميدا للأسرة الكاسبية التي سكنت ضفاف كارون في مدينة المحمرة والحاج يوسف هو الابن الاكبر لمرداو والذي خلف اياه في رئاسة القبيلة وعلى يده تم عمران مدينة المحمرة عام 1812 م والتي شيدت على انقاض المدينة التاريخية (( بيان )) القديمة وقد كان السبب في ازدهار المحمرة ظهور أهميتها الدولية ، مما جعل بريطانيا متمثلة بشركة الهند الشرقية تفكر باءد خالها ضمن مناطق نفوذها ، كما ثار حول تبعيتها نزاع عثماني فارسي طويل .

يمثل الحاج جابر بن مرداو الذي تولى الرئاسة بعد اخيه يوسف عهدا جديدا في تاريخ الأحواز فهو يعد المؤسس الحقيقي الاول لامارة المحمرة وواضع الحجر الاساسي لكيانها السياسي .

من ابرز ما حدث في المحمرة ايام الحاج جابر بن مرداو هو تعرض المحمرة للهجوم العثماني بقيادة علي رضا عام 1837 م الا انه كان هجوما خاطفا لم يغير شيئا من الكيان السياسي للامارة فتألق فيه نجم الحاج جابر بعد ان خرج العثمانيون منها .

فالحاج جابر وابناءه من بعده الشيخ مزعل والشيخ خزعل لم يخضعوا لا للسيادة الفارسية ولا للسيادة العثمانية كما لم يعترفوا بمعاهدة ارضروم الثانية عام 1847 م ، كانت هذه المعاهدة الاستعمارية التوسعية هدفها وضع حد للنزاع الفارسي العثماني وتقسيم الحصص بينهما في الأحواز والعراق ، وبذلت عدة محاولات لتسوية هذا النزاع ، وكان آخرها عقد مؤتمر في أرضروم بين الدولتين العثمانية والفارسية بتوسط كل من بريطانيا وروسيا القيصرية ، وقد تمخض هذا المؤتمر الاستعماري الظالم عن عقد معاهدة مجحفة لا تمثل ارادة شعب الأحواز وتطلعاته نحو الحرية والاستقلال وحقه في تقرير مصيره ، بل هي معاهدة بين دول لاتمثل انتمائها التاريخي والاجتماعي والقومي السياسي لتلك الارض العربية ، بل هم دول استعمار وغزو واحتلال وظلم وطغيان ، فكل مايصد ر عنها باطل وغير شرعي وغير قانوني ، لان صادر من لا يملك الحق الشرعي في الأحواز ، لانهم غرباء عن تلك الارض العربية ولايمتون بصلة لها ولشعبها ولا لتاريخها في والحاضر والمستقبل ، انهم دول استعمار وغزوا واحتلال ، سميت تلك المعاهدة بمعاهدة ارضروم الثانية والتي عقدت في عام (( ( وفضلا عن ذلك فاءن للمراكب الفارسية حق 1847 م . وتنص المادة الثانية من المعاهدة الاستعمارية على ان تعترف الحكومة العثمانية بصورة رسمية بسيادة الحكومة الفارسية على مدينة المحمرة ومينائها وجزيرة خضر . ب بملء الحرية وذلك من مصب شط العرب في البحر الى نقطة اتصال حدود الفريقين )) . . عبادان ) والمرسي والأراضي الواقعة على الضفة الشرقية ( أي الضفة اليسرى ) من شط العرب التي تحت تصرف عشائر معترف بأنها تابعة لفارس الملاحة في شط العرأما باقي مواد المعاهدة فاءنها تبحث بوجه عام في قبائل الحدود وشؤون الزوار وأمور الملاحة والتجارة وقد تم التصديق على المعاهدة الظالمة بعد اتصالات سياسية دامت سنين عديدة .

ان ما يعنينا من هذه المعاهدة النصوص الخاصة بالأحـواز ( عربستان ) ، ولو تأملنا فيها لبرزت لنا أكثر من ملاحظة عليها :

1- قررت المعاهدة مصير شعب ضد ارادته وبدون أن يعطي فرصة للاسهام في تقرير هذا المصير ، اذ تفاوضت أطراف غير معنية على منطقة لم تخضع لأي منها في أي وقت مضى ، فقد كانت مستقلة تماما عن الحكومة الفارسية باعترافها الرسمي هي نفسها ، كما عجز العثمانيون عن تثبيت نفوذهم فيها ، ولكن كلا منهما منحت ما لا تملك للأخرى . وبالرغم من ذلك فاءن الوثائق اللأحقة لهذه المعاهدة تثبت كلها أن عربستان لم تخضع حتى بعد المعاهدة للدولة الفارسية ، وأن هذه اكتفت م عربستان بولاء رمزي فقط .

2- تضم المعاهدة بين أحكامها ونصوصها شروطا غامضة ، مما تسبب في استمرار النزاع على عربستان ، فقد قسمتها المعاهدة الى منطقتي نفوذ جعلت للدولة الفارسية المنطقة التي ( تحت تصرف عشائر معترف بأنها تابعة لفارس ) أما ما عداها فتكون تبعيتها للدولة العثمانية . فالتقسم اذن كان على اساس عشائري قبلي ، وكان من الصعب تطبيقه ، الأمر الذي دفع الدولة العثمانية بعدئذ الى الاحتجاج عليه بمذكرتها الايضاحية للسفيرين البريطاني والروسي التي طلبت فيها تفسيرا عن كيفية اجراء هذا التقسيم .

3- اعتبرت المعاهدة مناطق بني كعب من المناطق المعترف بتبعيتها لفارس ، وهذا ادعاء باطل ، لأن قبيلة بني كعب لم تتنازل عن سيادة أراضيها لفارس ، ولغيرها ، في اي يوم من الأيام ، كما أنها لا تمت لها بأي صلة قومية او بشرية . ويبدو أن الدولة العثمانية عقدت المعاهدة دون أن يكون لديها اقتناع كاف للتنازل الذي التزمت به بموجبها ، وان هذا التنازل كان نتيجة ضغط خارجي من روسيا القيصرية وبريطانيا ، أو منهما معا من أجل تحقيق مصالحهما في المنطقة .

4- اقتصر تنازل الدولة العثمانية في المعاهدة على مدينة المحمرة ومرساها وجزيرة خضر ( عبادان ) ، ولم يمتد هذا التنازل الى الأجزاء الأخرى من عربستان ( الأحـواز ) . وبالرغم من هذا التنازل فاءن عربستان ظلت من حيث الواقع مستقلة عن حكومة طهران التوسعية الاستعمارية ، ولم يعترف شعب الأحـواز ( عربستان ) العربي بالمعاهدة وانما اعترضوا بشدة عليها وعلى بنودها على جميع المستويات والاصعدة وبمختلف الوسائل الحضارية والجهادية النضالية وقاوموا تلك الاتفاقية غير الشريعية التقسيمية التوسعية الاستعمارية .

5- أخذت فارس نفسها تطعن بالمعاهدة بعد توقيعها وادعت بعدم شرعيتها بحجة أنها كانت مفروضة عليها بالقوة والضغط من قبل روسيا وبريطانيا وأنها قبلتها مكرهة وأن المندوب الفارسي تجاوز صلاحياته عند توقيعها ، وأخيرا ان البرلمان الفارسي لم يصدقها .

6- كانت المعاهدة من الضعف بحيث جعلت العثمانيين أنفسهم يتعرضون لها بالنقد والرد . فقد وضع درويش باشا عضو لجنة الحدود تقريرا في عام 1852 م أورد فيه خلاصة السندات المتعلقة بالمحمرة وما يجاورها ، وحذر من بقائها وعبادان تحت السيطرة الفارسية ، وجاء ببعض البنود التي تؤكد على أن بساتين النخيل والمقاطعات الزراعية في عربستان كانت تديرها السلطات العثمانية ، وأثبتت استقلال الحويزة ونفي خضوعها للسيطرة الفارسية .

وقد لجأ الفرس الى أساليب وطرق غير مباشرة عندما فشلوا في السيطرة على الأحواز ( عربستان ) على ارض الواقع .. حيث أصدر ناصر الدين شاه القاجاري مرسوما شاهنشاهيا يعترف بالاستقلال الذاتي للأحواز ( عربستان ) ذلك كان في عام 1857 م ، وبأمارة الحاج جابر عليها ..وقد دامت امارة الحاج جابر على الأحواز اكثر من نصف قرن قضاها في تدعيم استقلاله وبناء كيان امارته السياسي والمحافظة . توفي الحاج جابر عام 1881 م بعد ان تجاوز التسعين من عمره فانتقلت الامارة الى ابنه الشيخ مزعل .

لقد تولى أمارة المحمرة الشيخ مزعل بعد وفاة ابيه الحاج جابر بن مرداو وقد نازعه عليها شقيقه الشيخ محمد بن الحاج جابر الا ان الشعب رجحه على اخيه الاكبر والذي سكن البصرة الى ان وافاه أجله هناك .

وكانت علاقة الشيخ مزعل الخارجية مع المنتفك من آل السعدون في العراق متينة جدا حيث التجأوا اليه عندما طاردتهم السلطات العثمانية وبقوا في رعايته في الأحواز مدة تزيد على السنتين .. كما ان علاقته بشيوخ الكويت جيدة استمرارا للعلاقة الطيبة بينهم وبين أبيه وكثيرا ما ترددوا اليه في مقره في المحمرة.

واخيرا تمكنت بريطانيا من فتح نهر كارون للملاحة التجارية الدولية بعد ان تمكنت من اقناع الشيخ مزعل بان هذا المشروع سوف يطور المنطقة اقتصاديا وهكذا مخرت بواخر ( لنتشي ) صاحبة الملاحة في الرافدين - في كارون وبذلك دخلت الأحواز عهدا جديدا في تاريخ العلاقات الدولية تحت اشراف بريطاني مباشر وفي عام 1890 م تأسست قنصلية بريطانية لهذا الغرض .

دامت امارة الشيخ مزعل ستة عشر عاما نافسه في اواخرها أخوه الاصغر الشيخ خزعل وقد تمكن بعض الحاشية من أغتياله في عام 1897 م عندما كان ينزل الى قصره في الفيلية من قارب صغير يسمى ( بلم - كلمة احوازية وعراقية ايضا تعني قارب صغير ) بجانب القصر كما قتل معه سبعة عشر رجلا احر من حاشيته .

تولى رئاسة امارة المحمرة بعد مصرع الشيخ مزعل أخوه الشيخ خزعل ( 1897 م - 1925 م ) ، ويعد الشيخ خزعل من الشخصيات العربية البارزة في تاريخ العرب الحد يث ، وقد لعب دورا رئيسيا في أحداث منطقة حوض الخليج العربي والأحـواز ( عربستان ) في الربع الاول من القرن العشرين وقد ساهم مساهمة فعالة في أحداثه واحتل مكانة مرموقة بين امراء الجزيرة العربية وهو لا يقل مكانة عن شخصية الشيخ سلمان بن سلطان الكعبي ( 1737 م - 1767 م ) الشخصية البارزة التي حكمت امارة الأحواز ابان القرن الثامن عشر .

  • الشيخ خزعـل الكعبي أمير امارة الأحواز ( امارة عربستان ) مع المعتمد البريطاني في الخليج العربي

 

وتأتي أهمية الشيخ خزعل من ان امارته شهدت في ايامه أحداثا غاية في الاهمية فقد شهدت :

1- تفجر النفط في الأحـواز عام 1908 م مما ادى ذ لك الى التكالب الفارسي والبريطاني والغربي على مد يد السيطرة عليها واستغلالها وتوسيع النفوذ الاستعماري فيها .

2- تبلور المصالح الاجنبية في منطقة الخليج العربي .

3- نشوب الحرب العالمية الاولى عام 1914 م فكان موقع أمارته الاستراتيجي خطيرا ابانها .

4- كما شهدت انهيار الحكم القاجاري في فارس ( ايران ) وقيام الحكم البهلوي مكانة ذلك الحكم الذي غزا عربستان واحتلها في عام 1925 .

وعندما قررت بريطانيا غزو العراق أبان الحرب العالمية الاولى رأت ان تشمل الى جانبها شيوخ الامارات المحلية القائمة على ضفاف الخليج العربي لتؤمن مواصلاتها عبر الخليج الى الهند فاوعد تهم بتعهدات للمحافظة على اماراتهم واوضاعهم الراهنة وضمان حريتهم واعلانهم شيوخا مستقلين تحت الحماية البريطانية فرضى أمراء العرب بهذه التعهدات السياسية البريطانية ، وحصلت صداقة بين بريطانيا وبين البارزين من الامراء كالشيخ خزعل أمير المحمرة وشيخ الكويت .

ولما اندلعت الحرب العالمية الاولى واصبحت الدولة العثمانية في الجانب المضاد لبريطانيا صدرت الاوامر بأرسال قوات بريطانية الى عبادان وقد اعطيت في حينها مبررات لتلك الحملة منها صيانة النفط في الأحواز من اجل الاستهلاك البريطاني .. وقد اشترك الشيخ خزعل مع البريطانيين في الحرب لطرد الاتراك من البصرة وبذلك توفير الامان لامارة الأحواز والتحقت السفن البريطانية الموجودة في نهر كارون بالحملة البريطانية وتم الاتصال بالمحمرة وقد كان الشيخ خزعل في جميع مراحل الاحتلال عونا للأنكليز في حربهم في المنطقة .

كان الشيخ خزعل من جملة المرشحين للملوكية على عرش العراق ولكن رأى الشيخ خزعل ان الدبلوماسية الانكليزية غير متحمسة لترشيحه عندما طلب منه المستر بيل سكرتير الشؤون الشرقية في دار الاعتماد البريطانية في بغداد بالكف عن الخوض في مثل هذا الامر ليفسح المجال أمام الامير فيصل للفوز بالعرش ، ومن جهة ثانية لا تريد بريطانيا فوز الشيخ خزعل لان هذا معناه قيام وحدة طبيعية بين الأحـواز والعراق حيث قد يترتب على بريطانيا مشاكل سياسية معقدة ، وقد تنازل الشيخ خزعل عن ترشيحه لعرش العراق للأمير فيصل .

وليس بخاف على احد ان شخصية الشيخ خزعل التي انضوت تحت سلطتها قوة العرب في المنطقة تلك القوة التي تمثل تيار القومية العربية التي تعاديها الرجعية الفارسية منذ ازدهار الدولة العربية في الاسلام لاسيما وان الشيخ خزعل قد بدأ شأنه في الصعود بعد ترشيحه لعرش العراق ودخوله في معاهدات مع بريطانيا واصبحت له مكانه مرموقة في العلاقات الدولية في المنطقة ومقابل هذا أخذ رضا خان يفكر ويخطط كيف يمكنه القضاء على الشيخ خزعل وجاء هذا في مذكرات رضا شاه نفسه عندما يقول (( من الضروري القضاء على أمير عربستان الذي استمر اعوام طويلة يعيش أميرا مستقلا داخل حدود أمارته ويسانده الاجانب مساندة تامة في اعماله وليس لحكومة طهران اي سلطة عليه )) .

وفي عام 1921 م أصبح رضا خان قائدا عاما للقوات المسلحة الفارسية بعد ان اطاح بوزارة ضياء الدين الطباطبائي ثم رئيسا للوزراء وفي عام 1925 م نصب نفسه ملكا على فارس .

وهنا غير رضا شاه المقبور سياسته تجاه روسيا وفي هذا الاثناء تحسنت العلاقات بين موسكو وطهران ، خصوصا وان السوفيت فوجئوا مفاجأة سارة عندما تولى رضا شاه الحكم في فارس لاعتقادهم بانه يرأس حركة وطنية ثورية وعلى أعتبار بان انقلابه هذا حدث تاريخي يدشن بداية عهد جديد كما خيل لهم ان الدكتاتورية العسكرية ستكون مرحلة انتقالية نحو نظام جمهوري وقد تمخضت العلاقات الحسنة بينهما الى ابرام معاهدة عام 1921 م التي اعترفت باستقلال فارس التام وتنازلت روسيا عن كل مالديها من المقاطعات الفارسية كما تنازلت عن جميع الديون التي كانت لها على فارس ، وبهذا أرادت روسيا ان يبقى الجو صافيا لها لكي يمكنها الوصول الى المياه الدافئة في الخليج العربي للقضاء على نفوذ بريطانيا الاستعمارية ومصالحها البترولية والتجارية في المنطقة .

فوجد ت بريطانيا من مصلحتها وحكمه سياستها ان تستمر في شد أزر رضا شاه ليتمكن من الوقوف أمام التيار الشيوعي من جهة ومن اجل بسط سيطرتها على سياسة فارس سيطرة تضمن لها استمرار وحفظ مصالحها في فارس الخليج العربي.

فأنتهز رضا خان هذا الاتجاه من بريطانيا وطلب منها ان تتخلى عن حماية أمارة الأحواز وعن أميرها ليمكنه احتلال عربستان عسكريا وضمه الى مملكته فاستجابت له بريطانيا ومهدت له القضاء على الحكم العربي في الأحـواز حيث سهلت له القضاء على الشيخ خزعل في 20 / 4 / 1925 م .

ولما علم الشيخ خزعل ان رضا خان ملك فارس ينوي غزو واحتلال الأحواز أخذ يعد العدة للوقوف بوجه الخطر الفارسي الداهم وكان يطمح من الانكليز بالايفاء بتعهداتهم السياسية لحماية الأحواز وتقديم المساعدات العسكرية له .. فهنا نقضت بريطانيا عهدها مع الشيخ خزعل ولم تحرك ساكنا لنجد ته ولعبت دورا دبلوماسيا ضده حين مهدت سبل المفاوضات بين الشيخ خزعل والحكومة الفارسية من جهة وحشد الجيوش الفارسية على حدود الأحواز ( عربستان ) من جهة اخرى .

وعندما وصل الجنرال زاهدي قائد جيش الفرس في زيارة الى المحمرة لحل الخلافات حلا سلميا وعن طريق التفاوض مع الشيخ خزعل . وقد لعب الجنرال الفارسي زاهدي دورا دبلوماسيا موفقا الى ان تحين نقطة الصفر لاختطاف الشيخ خزعل وحاول زاهدي ان يقنع الشيخ خزعل بالسفر معه الى طهران فلم يوافق الشيخ خزعل على السفر عندئذ طلب الجنرال زاهدي اقامة حفلة ساهرة لوداعه فلبى الشيخ طلبه وأوعز الى ابنه عبد الحميد بالحضور من البصرة ليهىء لتلك الحفلة كل ما لذا وطاب والتي أعتبرها حفلة النصر فاقامها في يخته الخاص الراسي في شط العرب مقابل قصره في الفيلية لكي لا يشيع خبرها ولم يدع لها سوى ابنائه عبد الحميد وعبدالله وعبد المجيد وأحد اقربائه يدعى موسى الشيخ يوسف وسكرتيره الخاص عبد الصمد وذلك احتراما لليلة السابع والعشرين من شهر رمضان التي أقيمت فيها الحفلة وبعد ان عرضت بعض الرقصات واستمعوا الى جانب من الغناء وحيث أرخى الليل سدوله صعدت شلة من الجيش الفارسي التي كانت ترافق الجنرال زاهدي الى الباخرة وعلى رأسهم المدعو مصطفى خان وقاموا بأسر الشيخ خزعل و ابنه عبد الحميد وسيقوا من الفيلية الى المحمرة ومنها الى مدينة الاحواز ليلا ، ومنها أرسلوا الى طهران وفي حينها دخلت الجيوش الفارسية عربستان وأحتلته احتلالا عسكريا وسيطرت على زمام الامور في جميع انحاء الامارة العربية السليبة كان ذلك في ليلة 19 علىيوم 20 نيسان 1925. واحتجز في طهران عاصمة الغدر والخيانة وقامت المخابرات الفارسية بخنقه في 26 آذار 1936 م . وبذلك زالت آخر امارة عربية في عربستان . وقد علق الكاتب الفرنسي بيري على ذلك بقوله : (( وكان ذ نبه - أي الشيخ خزعل - أن اماراته قائمة في مكان استراتيجي في عالم البترول الذي لا يحفظ حقا ولا ذمة )) . راجع كتاب الخليج العربي للمؤلف جان جاك بيريبي في صفحة 111.

وقد اصدرت الحكومة الفارسية بعد احتلال الأحواز واثناء اسر الشيخ خزعل في طهران أصدرت بيانا ادعت فيه أن الشيخ خزعل هو الذي أصدره بعد وصوله طهران ، وقد جاء في البيان ما يأتي :

1- يتنازل أمير عربستان الشيخ خزعل المحيسن عن الحكم الى ابنه جاسب المحيسن .

2- يحق للدولة الايرانية أن تشرف على الحكم الداخلي في عربستان .

3- تقطع عربستان علاقاتها الخارجية مع الدول الأخرى التي كانت قد عقدت معها معاهدات تجارية أو أقامت معها علاقات سياسية .

ويمكننا القول ان أسباب هذه النكبة في بلدنا عاملان ، عامل داخلي وعامل خارجي .

فالعامل الداخلي : متمثل في ضعف بنية ابناء الأحواز بما أصابهم من فقر وجهل ومرض وانخفاض مستوى المعيشة وانعدام الوعي السياسي والاجتماعي في زمن أمارة البوكاسب الكعبية وعدم الشعور بالمسؤولية نتيجة النفوذ الاجنبي من جهة ، والحيف الذي لحقهم من حكم الشيخ خزعل وغلمانه من جهة اخرى .

أما العوامل الخارجية : فقد تظافرت عدة عوامل للأطاحة بأمارة الأحواز العربية ، ومن أهم هذه العوامل :

1- ظهور النفط في الأحواز سنة 1908 م .

2- وصول الشيوعيين بقيادة لينين الى السلطة في روسيا عام 1917، مما يشكل ذلك تهد يدا لمصالح الغرب في الأحواز ومنطقة الخليج العربي .

3- ظهور رضا خان بهلوي في السلطة في فارس والذي يمثل العنصرية الفارسية المعادية للقومية العربية حيث عمل ما بوسعه لازالة كل أثر عربي في الأحواز ( عربستان ) كما فصم كل الروابط والوشائج العربية التي تربط الأحـواز بالوطن العربي .

4- تأييد الانكليز للا حتلا ل الفارسي لقطر الأحواز حيث ساهم الى حد كبير في نكبة العرب في الأحواز وقد اعترف بذلك الانكليز أنفسهم .

5- الموقف المتفرج الذي وقفه الحكام العرب لامارة الأحواز ( عربستان ) بسبب السيطرة البريطانية وهذا يعتبر مساهمة غير مباشرة في نكبة الأحواز .

الوضع القانوني لسيادة عربستان ( الأحواز ) بعد الاحتلال الفارسي عام 1925

يتفق فقهاء القانون الدولي على أن الأركان التي يجب توفرها لنشؤ دولة هي ارض وشعب وسيادة ، أو حكومة كما يسميها بعضهم . وعند توفر هذه الأركان تعتبر الدولة ، بحكم القانون الدولي ، قائمة وشخصيا دوليا ، لها اعتبارها وكيانها ، وحق ممارسة سيادتها على اقليمها وادارة شؤونها الداخلية وعلاقاتها الخارجية .

وعند النظر ، وفق المفهوم الدولي القانوني لنشؤ الدول ، في واقع الحكم العربي في عربستان ( الأحواز ) نجد أن أركان الدولة كانت متوفرة فيه عبر تاريخه الطويل الذي يمتد منذ نشؤ القطر نفسه ، وهذه حقيقة ثابتة سنؤكدها بما يأتي ، مع الاشارة الى أن حجب ركن السيادة في بعض الفترات التي خضعت فيها عربستان لنفوذ خارجي لا يثلم حقه القانوني الراسخ في استعادة هذه السيادة وضمها الى الركنين الأخريين من أركان نشؤ الدولة ، من أجل استكمال وجوده الدولي وممارسة حقوقه التي أقرها له الفقه الدولي والقانون الدولي . راجع عبد المجيد اسماعيل حقي : الوضع القانوني لاقليم عربستان في ظل القواعد الدولية .

الشيخ خزعل والشيخ مبارك الكبير مع كبار المسؤولين البريطانيين

  • الشيخ خزعل والشيخ مبارك الكبير مع احد كبار المسؤولين البريطانيين

 

أركان نشؤ الدولة في القانون الدولي ، وتطبيقها في عربستان

1- الا قليم :

يكتفي القانون الدولي في وصف الاقليم باعتباره ركنا من أركان نشؤ الدولة بأن يكون معينا وثابتا ومستقرا دائما لشعب أقام فيه وأنشأ عليه نظاما قانونيا وسياسيا .

وحيث أن اقليم عربستان ( الأحواز ) معين بموقعه وبحدوده وبمساحته ، رغم اقتطاع الحكومة الايرانية أجزاء منه بتصرف انفرادي غير قانوني وغير مشروع ، وبما أن شعب الأحواز ( عربستان ) قد اتخذ هذا الاقليم او هذه الارض منذ نشأته مستقرا دائما له ، وأنشأ له فيه نظاما قانونيا وسياسيا خاصا به فاختص بوجبه باءدارة الاقليم وبحكمه ، فاءن ركن الاقليم كما يقتضيه القانون الدولي يعتبرا متوفرا في الحكم العربي في عربستان ( الأحـواز ) وقائما فيه منذ نشوئه عبر تاريخه .

2- الشعب :

يعرف القانون الدولي الشعب ، باعتباره ركنا من أركان نشؤ الدولة ، بأنه مجموعة من الناس تقيم بصفة دائمة في اقليم معين وتجمع بين أفراده رغبة العيش المشترك والخضوع لولاية حكم منهم يمثلهم ويختص بادارة شؤونهم كد ولة .

وهذا الركن متوفر في شعب عربستان العربي( الأحواز ) طوال تاريخه ، لأنه أقام بصفة دائمة في اقليمه منذ نشوئه ، ولارتباط أفراده بروابط الانتماء . والولاء للحكم العربي فيه ( سلطته الوطنية الشرعية ) تلك الروابط التي تجسد ت أساسا برابطة القومية العربية بمظهريها الموضوعي والشخصي ، حيث تمثل المظهر الموضوعي بوحدة العرق او الجنس واللغة والدين والتاريخ وتشابه العادات والتقاليد . وتمثل المظهر الشخصي بالاحساس والرغبة المشتركة في العيش تحت سيادة الحكم العربي الذي يستهدف تحقيق مصالحهم وأمانيهم الوطنية والقومية ، وعلى ذلك فاءن القومية العربية هي الروابط التضامنية التي تجمع بين أفراد شعب عربستان ( الأحواز ) وتؤكد أنه جزء من الأمة العربية ، وفق هذه الدلائل :

أ- وحدة العرق والجنس :

وتتمثل بتكوين الشعب بأغلبية مطلقة ساحقة من قبائل عربية أصلية اتخذت عربستان منذ نشأتها موطنا لها .

ب - اللغة العربية :

اللغة عموما أكثر الروابط القومية قوة ، وهي تعبر عن وحدة أفراد القومية الواحدة وتميزهم عن غيرهم وتخلق عندهم اعتقادا بأنهم يختلفون عن غيرهم ومنفصلون عنهم ، وان لهم مصالحهم وأهدافهم الخاصة بهم . واللغة العربية هي لغة شعب الأحواز ( شعب عربستان ) ، وهي تربطهم برابطة لا تنفصم وتشد بعضهم الى بعض .

ج - الدين :

ان جميع أفراد شعب عربستان ( الأحواز ) مسلمون ، وهذا يزيد في قوة الرابطة التي تجمعهم كشعب له عقيدة واحدة .

د - الأهداف والمصالح المشتركة :

يرتبط شعب الأحواز ( عربستان ) برابطة معنوية قوية تتمثل بالاحساس بالانتماء الواحد وبضرورة تحقيق الأهداف والمصالح المشتركة للشعب كله ، باعتبار أنهم من أصل واحد ولهم لغة واحدة ود ين واحد ، وأرضهم واحدة .

هـ - التكامل الجغرافي :

ان الظواهر الجغرافية الطبيعية بين عربستان وايران مختلفة تمام الاختلاف ، مما جعل شعب عربستان يشعر بأن اقليمه يختلف عن اقليم ايران تمام الاختلاف ، وقد دعم هذا الشعور احساس الشعب بوحدة اقليمه وتميزه عن اقليم ايران . كما أن تشابه تلك الظواهر مع باقي اقطار الوطن العربي جعل الشعب العربي في عربستان يدرك انتماءه الى الوطن العربي باعتبار أن أرضه هي امتداد للوطن العربي الكبير وان شعب الأحواز هو جزء من الامة العربية المجيدة .

3- السيادة :

تقضي السيادة باعتبارها الركن الثالث من أركان نشؤ الدولة وجود هيئات سياسية وقانونية منظمة لها الكلمة العليا في الدولة تتولى الاشراف على شؤون الشعب والاقليم بما يحفظ كيانها ويحقق نموها مستعينة في ذلك بما لديها من سلطات تشريعية وتنفيذ ية وقضائية . فالدولة لكي تنشأ لا بد أن يتوفر لوجودها ، بالاضافة الى ركني الارض والشعب ، ركن ثالث وهو وجود حكومة تتمتع بالسلطات التي تمكنها من القيام بوظائفها وتكون مسؤولة أمام الجماعات السياسية الأخرى عن جميع الشؤون التي تتعلق باءقليمها وبشعبها . ويعبر عن هذا الركن في القانون الدولي بـ ( السيادة ) .

فالسيادة هي السلطة السياسية والقانونية على الاقليم الذي تختص به ، وتشمل باختصاصها جميع الأشخاص والأشياء الموجودة في ذلك الاقليم ، أو هي قـدرة الدولة واستقلالها في التصرف بجميع شؤونها الداخلية والخارجية باعتبارها القوة التشريعية العليا أو قوة التنظيم الذاتي داخل اقليمها .

ولابد هنا من الاشارة الى أن شكل نظام الحكم في أي اقليم لايعني على الاطلاق شيئا بالنسبة لتوفر السيادة في الدولة القائمة عليها ، فسواء كان النظام ديمقراطيا أو د يكتاتوريا أو عشائريا أو غيره ، فاءن القانون الدولي لا يبحث في هذا الشكل ويعتبر السيادة متوفرة بصرف النظر عن شكل نظام الحكم ، ويعتبر الدولة قائمة ، عند وجود الركنين الآخرين من أركان نشؤ الدول ، وبذ لك يعترف بحق كل د ولة وحريتها في اختيار نظام حكمها وتنظيم ادارتها بالشكل الذي تراه ملائما لها .

واذا كان الأصل حرية الدولة في مباشرة مظاهر سيادتها الداخلية والخارجية ، فاءن الحكم العربي في الأحواز ( عربستان ) حتى عام 1925 م كان يتمتع ، كما بينا سابقا ، بهذه المظاهر وفق ما يقتضيه القانون الدولي ، اذ لم يكن تابعا ولا محميا ، رغم قبوله بعض الالتزامات التي قيد ت سياد ته في بعض الفترات ، وهذا أمر طبيعي ينطبق على كل دولة ، فقد يجتاح اقليم دولة ما جيش أجنبي فتفقد سيادتها موقتا ، او قد تطلب حماية دولة أخرى ضد عدو يهد د استقلالها ، وعند د حر هذا الجيش ، أو انتهاء التهديد تتخلص من الحماية وتسترجع سيادتها الكاملة .

وبذلك يتأكد أن الحكم العربي في الأحواز كان يمثل فعلا مفهوم الدولة وفق قواعد القانون الدولي بتوافر أركانها الثلاثة : الا قليم والشعب والسيادة ، وبالتالي فأن الوضع القانوني في عربستان في عام 1925 لم يخرج عن كونه اقليما خاضعا لسيادة عربية مطلقة مارست مظاهر سيادتها المطلقة على جميع الاقليم عبر التاريخ .

وما دمنا قـد تعرفنا على حقيقة الوضع القانوني للأ حواز في عام 1925 ، فان ذلك يدعونا الى بيان مدى شرعية تغييره من قبل الدولة الفارسية ، وتحليل وضعة الراهن من الناحية القانونية بعد عام 1925 والى الوقت الحاضر .

  • جيوش الفرس عند احـتلا لهم للأحواز العربـية عام 1925

مـدى شرعـية تغـيـير الوضع القانوني لعـربستان ( الأحـواز )

سبق أن بينا أن الجيش الفارسي قد اجتاح عربستان في عام 1925 وخطف أميرها الأحوازي ونقله الى طهران ، وتم وضعه تحت الاقامة الجبرية حتى اقدام المخابرات الايرانية بخنق الأمير العربي وهو في سجنه في عام 1936 ، وأن الأحكام العرفية قد أعلنت في الأحواز ( عـربستان ) وأقيمت محكمة لمحاكمة الخارجين عن الاحتلال الفارسي والرافضين له وللغزو لبلادهم واعلان اتياءهم لهذا التدخل السافر في اجهاض وتقويض السلطة الأحوازية العربية الشرعية في عربستان ، ثم اعتبر الأحواز ولاية من الولايات الايرانية ، وبذلك زالت آخر امارة اوسلطة عربية شرعية في عربستان السليبة .

ان الدولة الفارسية التي اجتاح جيشها الغازي عربستان لم تعلن الحرب على هذا القطر العربي رسميا ، ولكن الصدام المسلح الذي وقع بينهما في عام 1925 بسبب هذا الاجتياح الغادر يعتبر حربا دولية على اساس نشوب الصدام بين كيانين مستقلين ، وعندئذ يقع ضمن اختصاصات عصبة الأمم في ذلك الحين ، اذ يكفي القول بنشؤ حالة حرب بين دولتين أن يتوفر ركنان أحدهما مادي والآخر معنوي ، وهذا ما توفر في الحرب الفارسية على عربستان . فالركن المادي تمثل بهجوم الجيش الفارسي على عربستان ( الأحواز ) والمقاومة المسلحة لجيشها . وتمثل الركن المعنوي بنية ايران قطع علاقاتها السلمية مع الامارة العربية بهدف اختلا ل اقليمها وضمه الى أراضيها .

وعلى هذا الأساس فاءن مدى مشروعية الالتجاء الى الحرب في عهد عصبة الأمم يجب أن ينظر اليه في ضوء الحقائق الآتية المستندة الى أحكام العهد ..

1- لايجوز الالتجاء الى الحرب كوسيلة لاكتساب السيادة على الأقاليم ، وتعتبر الحرب التي تشن بقصد ضم الأقاليم حربا عدوانية محرمة بصراحة نص المادة العاشرة من عهد العصبة التي أكد ت على التزام جميع أعضاء العصبة باحترام وبضمان السلامة الاقليمة والاستقلال السياسي للدول الأعضاء ضد أي عدوان خارجي ، وبغض النظر عن وجود نية العدوان أو عدم وجودها .

2- لم تعد الحرب حدثا يخص الدولة المتحاربة وحدها ، بل أصبحت من الامور الداخلة ضمن اختصاص عصبة الأمم بموجب الفقرة (1) من المادة الحادية عشرة من عهدها التي تنص على أن ( أي حرب أو التهد يد بها هو أمر يخص العصبة كلها ) ، وعلى هذا الاساس فاءن لمجلس العصبة التدخل في أي نواع د ولي اذا كان هذا النزاع يمثل حربا أو التهد يد بها ، وله أن يتخذ الاجراءات المناسبة لصيانة السلم والأمن الدوليين .

3- ان اباحة الالتجاء الى الحرب في عهد عصبة الأمم ( كوسيلة أخيرة ) لحل المنازعات بين الدول مقيدة بشرطين ، هما :

أ - أن تستهدف الحرب ضمان العدالة والحق القانوني الواضح ( الفقرة 7 من المادة 15 ) .

ب - وجوب استنفاد جميع وسائل التسوية السلمية التي نصت عليها المواد ( 12 و 13 و 15 ) من عهد العصبة ، وهي اللجوء الى التحكيم أو التسوية القضائية أو تقديم شكوى الى مجلس العصبة ، وحتمية انقضاء ثلاثة أشهر على صدور قرار التحكيم أو الحكم القضائي أو تقرير المجلس ( المادة 16 ) .

هذا مع ضرورة الالتفاف الى أن عهد عصبة الأمم اشترط لاسباغ الشرعية على الحرب شروطا شكلية وأخرى موضوعية ، لذا فان التحليل القانوني لحرب عام 1925 ( حرب غزو عربستان ) لابد أن يكون وفق تلك الشروط ، وهي :

الشروط الشكلية :

ما دامت ايران قـد انضمت الى عهد العصبة في 13 / 1 / 1920 ، فهي ملزمة بما يقضي به هذا العهد من أحكام ، ومنها بشكل خاص استنفاد جميع وسائل التسوية السلمية للمنازعات الدولية ، وهي الالتجاء الى التحكيم أو القضاء الد ولي أو مجلس العصبة . وحيث أن ايران شنت حربها ضد عربستان (الأحواز) دون اللجوء اولا الى وسائل التسوية السلمية ، فان هذا يؤكد عدم شرعية هذه الحرب ، واعتبارها كما لو أنها أعلنت ضد جميع الدول الأعضاء في العصبة .

الشروط الموضوعـية :

حرم عهد العصبة في ماد ته ( 10 ) الحرب العدوانية التي تستهدف اكتساب حقوق اقليمية . وهذا التحريم ثابت أيضا في العرف الد ولي . وحيث أن ايران شنت حربها عام 1925 على قطر الأحواز العربي (عربستان ) أساسا مستهدفة الحصول على مكاسب اقليمية بالقوة ، فاءن هذه الحرب تعتبر حربا عدوانية محرمة بحكم عهد العصبة والعرف الد ولي ، وليس لايران أن تستند اليها في ادعائها بأي حقوق اقليمية في عربستان ، اذ ما دامت حربها تلك غير شرعية وباطلة ، فان كل ادعاء بحق يستند اليها يعتبر باطلا وغير شرعي .

الوجود الايراني غير الشرعي في عربستان ( الأحـواز )

ننتقل الآن الى مناقشة الوجود الايراني غير الشرعي في عربستان من خلال :

1- الحرب الفارسية ، أو بالأحرى الغزو الفارسي في عام 1925 .

2- ضم ايران انفراد يا اقليم عربستان اليها .

3- مدى المسؤولية الدولية التي تتحملها ايران نتيجة ذلك .

التفاصيل :

1- الحرب الفارسية على الأحـواز ( عـربستان ) في عام 1925 :

لاتعتبر الحرب الفارسية التي شنتها ايران ، أو بالأحرى التي غزت بها عربستان في عام 1925 ، منتهية وفق أحكام القانون الد ولي والفقة الد ولي ، وذلك بالاستناد الى الحجج القانونية الآتية :

أ - ليست الدول الا أشخاصا اعتبارية تنشأ من ارادات الأفراد ، وهم الأشخاص الحقيقيون ، فالدول مجرد وسائل فنية لاءدارة المصالح الجماعية للشعوب . وفناء الوجود الاعتباري ينبغي أن لا يكون له أي أثر في الواقع المتمثل برفض أفراد الشعب الاحتلا ل العسكري ومقاومته بالقوة ، باعتبار هذا الرفض والمقاومة قيمة ماد ية حقيقية لا يمكن تجاهلها كتعبير صريح عن رغبة الشعب في أن تستمر الحرب حتى يتخلص من السيطرة الأجنبية . ورفض شعب عربستان ومقاومته الاحتلا ل الفارسي د ليل مادي وحقيقي صريح على رغبة هذا الشعب العربي في استمرار حربه مع الفرس حتى التخلص من حكمهم اللا شرعي .

ب - أكدت السوابق الدولية في الحربين العالميتين الأولى والثانية ، تلك السوابق التي أشار اليها فقهاء القانون الد ولي ، على تمسك المجتمع الد ولي بمبدأ عدم قبول انتهاء الحرب بمجرد فناء الشخصية الدولية لبعض الدول التي انهزمت نتيجة الحربين المذكورتين . ولا ريب في أن لتلك السوابق أثرا في انشاء قاعدة عرفية دولية بهذا الشأن . وكمثل على ذلك عد م قبول فناء الشخصية الدولية للحبشة بعد احتلا ل ايطاليا لها . ولاشك أن فناء الشخصي الدولية لعربستان نتيجة الحرب العدوانية التوسعية الفارسية لا يعني أن هذه الحرب قد انتهت ، وانما تعتبر مستمرة بما أبداه ويبديه الشعب الأحوازي العربي في عربستان من رفض للاحتلا ل الفارسي ومقاومة له بقوة تمثلت بجميع الوسائل التي استخدمها ضده عبر الثورات والانتفاضات التي خاضها من أجل استرداد حريته واستقلا له .

ج - ان القول بعد م انتهاء الحرب بمجرد فناء الشخصية الدولية للدولة المهزومة يعد مبدأ متفقا مع تطور المجتمع الد ولي والمبادىء التي تبناها القانون الدولي ، ومنها الاعتراف بسيادة الشعب على اقليمه ، وحقه في تقرير مصيره ، بحيث يتحتم عد م قبول انتقال السيادة على اقليم محتل بمجرد القضاء على شخصيته الدولية ، على أساس أن هذه السيادة تبقى مع الشعب وجودا وعد ما . ولا ريب في أن تمسك الشعب بسياد ته على ارضه واصراره على مقاومة الاحتلا ل الأجنبي يستوجب عد م اعتبار الحرب منتهية للتعلل بقبول ضم الاقليم .

ووفق الحجج السابقة التي أقرها القانون الد ولي والعرف الد ولي ، فان الحرب الفارسية من الوجهة القانونية والفقهية البحتة ، والواقعية الفعلية ، تعتبر وكأنها مستمرة بين الشعب العربي في عربستان ( شعب الأحواز ) والقوة الفارسية التي تحتل ارضه او اقليمه عـنوة ، الى أن يسترد هذا الشعب العربي حريته واستقلا له ويقيم دولته على أرضه من أجل تحقيق طموحه في العودة الى أحضان الوطن العربي .

ولا شك في أن فشل الدولة الفارسية في بسط سيطرتها التامة على عربستان لسنوات عد يدة تلت حربها العدوانية في عام 1925 ، واستمرار الثورات والانتفاضات التي شملت الأحواز منذ العام المشؤوم وحتى الوقت الحاضر ، وقيام جبهة تحرير عربستان كسلطة شرعية في المنفى تمثل شعب عربستان في مطالبته باسترداد حريته في اقليمه وحقه في تقرير مصيره عن طريق القوة المسلحة ، كل ذلك يعتبر بمثابة استمرار للحرب ، وان الأحواز لم يتم اخضاعه نهائيا ، وبالتالي فاءن الوجود الفارسي في الأحواز ليس الا مجرد احتلا ل عسكري .

2- ضم ايران انفراد يا عربستان ( الأحواز ) اليها :

يجمع فقهاء القانون الد ولي على أن كشف نية دولة في أن تضم اليها اقليم دولة اخرى انتصرت عليها بحرب يكون باعلان الدولة المنتصرة هذا الضم بتصريح رسمي يصدر منها ، وذلك لايضاح نيتها في تحد يد مستقبل الاقليم الذي احتلته . على أن أي دولة منتصرة لا تعلن رسميا ضم اقليم اكتسبته بحرب اليها ، ولكنها تقوم بأفعال وتصرفات تؤكد هذا الضم ، فان ذلك يعتبر بحكم اثبات اعلان نية الضم . ويمكن الأخذ بهذا بالنسبة للدولة الفارسية ، اذ أنها لم تصد ر حتى الآن تصريحا رسميا بضم عربستان الى اراضيها ، الا أن نيتها في ضم عربستان اليها كانت واضحة وثابتة من خلا ل الحرب التي شنتها بهدف احتلا ل الأحواز وضمه ، ومن بيانات الحاكم العسكري الفارسي التي صدرت بعد الاحتلآ ل في عام 1925 وأظهرت هذه النية وأكد تها بشكل واضح ، ثم جاء الضم الفعلي حين اعـتبر الأحواز ( عربستان ) ولاية من الولايات الفارسية .

3- المسؤولية الد ولية التي تتحملها ايران :

من المبادىء الثابته في القانون الد ولي مبدأ اقرار المسؤولية الدولية الذي يقضي باءلزام الدولة المعتدية باصلاح الضرر الذي تسببه لد ولة أخرى نتيجة خرقها التزاما د وليا ارتبطت به بمعاهدة أو بعرف د ولي أو قاعدة قانونية دولية . وقـد تبنى القضاء الد ولي هذا المبدأ في أحكام عـد يدة .

وحيث أن الدولة الفارسية بانضمامها الى عصبة الأمم في عام 1920 ، وتعهدها باحترام الالتزامات التي نص عليها عهد العصبة ، ومنها الالتزام بعدم اللجوء الى الحرب بهدف اكتساب الأقاليم ، فان الدولة الفارسية تتحمل مسؤولية دولية بشنها حربها العدوانية ضد امارة عربستان في عام 1925 وضم اقليمها الى أراضيها . وهذه المسؤولية تستوجب اصلاح الأضرار التي تسببت عن تلك الحرب والتعويض عنها وعن كل ضرر وخسارة أصابت أفراد الشعب العربي الأخوازي ، مع اعادة الحال الى ما كان عليه قبل الحرب المذكورة ، وذ لك بالتخلي عن الأحواز ( عربستان ) والانسحاب منه تمهيدا لمنح شعبه فرصة حقه في تقرير مصيره بنفسه بكل حرية .

الوضع القانوني

اركان الدولة

مدى شرعية تغيير الوضع في الأحواز

الوجود الايراني في الأحواز غير شرعي

سيادة الأحواز

امارة المسعشعين

امارة البوناصر

امارة البوكاسب